قوله عليه السلام: " إن الله عز وجل بعث نوحا " هذا شروع في المقصود، وحاصله أن الايمان في بداية بعثة كل رسول كان مجرد التصديق بالتوحيد والرسالة، ومن مات عليه حينئذ كان مؤمنا، ووجبت له الجنة، فلما استجابوا لهم ذلك وكثرت أتباعهم وضعوا أعمالا وشرائع، وأوجبوها عليهم، وأوعدوا على تركها النار فصارت تلك الأعمال أجزاء للايمان.
فأول أولي العزم من الأنبياء كان نوحا عليه السلام فحين بعثه أمرهم أولا بالتوحيد والاقرار بنبوته فقط، وكان ذلك الايمان، حيث قال في سورة نوح: " إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم * قال يا قوم إني لكم نذير مبين * أن اعبدوا الله " (1) أي مخلصا من غير شرك " واتقوه " أي اتقوا عذابه الذي قرره على الشرك " وأطيعون " فيما آمركم به، وأذعنوا لنبوتي، فلم يذكر فيما أنذرهم به إلا هذين الامرين " ثم دعاهم " أي ثم بعد ذلك استمر على هذه الدعوة زمانا طويلا فكانت دعوته منحصرة في التوحيد ونفي الشريك، وكان قبولهم ذلك منه مستلزما للاذعان بنبوته.
" ثم بعث الأنبياء " أي ثم بعث سائر أولي العزم في أول بعثتهم على هذا الامر فقط، إلى أن انتهت سلسلة أولي العزم وسائر الأنبياء إلى محمد صلى الله عليه وآله فكان صلى الله عليه وآله في أول بعثته بمكة يدعوهم إلى التوحيد وما يتبعه من الاقرار بالنبوة بل المعاد أيضا فإنه أيضا من الأمور التي نزلت الآيات المشتملة على التهديدات العظيمة فيها، قبل الهجرة، فالمراد جميع أصول الدين سوى الإمامة، وذكر التوحيد على المثال أو على أن الاقرار به مستلزم للاقرار بسائر الأصول ويؤيده قوله عليه السلام بعد ذلك " الاقرار بما جاء به من عند الله ".
قوله عليه السلام: " وقال " أي في سورة الشورى، وهي مكية على ما ذكره المفسرون إلا قوله " والذين استجابوا " " والذين إذا أصابهم " إلى قوله " لا يحب الظالمين " (2) عن الحسن، وعلى قول ابن عباس وقتادة إلا. أربع آيات منها نزلت