وأما التصديق فقد قيل إنه القبول والاذعان بالقلب، كما ذكره أهل الميزان ويمكن أن يقال معناه قبول الخبر أعم من أن يكون بالجنان أو باللسان ويدل عليه قوله تعالى " قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا " فأخبروا عن أنفسهم بالايمان - وهم من أهل اللسان - مع أن الواقع منهم هو الاعتراف باللسان دون الجنان، لنفيه عنهم بقوله تعالى " قل لم تؤمنوا " وإثبات الاعتراف بقوله تعالى " ولكن قولوا أسلمنا " (1) الدال على كونه إقرارا بالشهادتين وقد سموه إيمانا بحسب عرفهم، والذي نفاه الله عنهم إنما هو الايمان في عرف الشرع.
وأما الايمان الشرعي فقد اختلف في بيان حقيقته العبارات بسبب اختلاف الاعتبارات، وبيان ذلك أن الايمان شرعا إما أن يكون من أفعال القلوب فقط، أو من أفعال الجوارح فقد، أو منهما معا.
فإن كان الأول فهو التصديق بالقلب فقط، وهو مذهب الأشاعرة، وجمع من متقدمي الامامية ومتأخريهم، ومنهم المحقق الطوسي رحمه الله في فصوله، لكن اختلفوا في معنى التصديق، فقال أصحابنا: هو العلم، وقال الأشعرية هو التصديق النفساني وعنوا به أنه عبارة عن ربط القلب على ما علم من إخبار المخبر، فهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق، ولذا يثاب عليه بخلاف العلم والمعرفة، فإنها ربما تحصل بلا كسب كما في الضروريات وقد ذكر حاصل ذلك بعض المحققين فقال:
التصديق هو أن تنسب باختيارك الصدق إلى المخبر حتى لو وقع ذلك في القلب من غير اختيار لم يكن تصديقا، وإن كان معرفة، وسنبين إنشاء الله تعالى قصور ذلك.
وإن كان الثاني فإما أن يكون عبارة عن التلفظ بالشهادتين فقط، وهو مذهب الكرامية، أو عن جميع أفعال الجوارح من الطاعات بأسرها، فرضا ونفلا وهو مذهب الخوارج، وقدماء المعتزلة والعلاف والقاضي عبد الجبار، أو عن جميعها من الواجبات وترك المحظورات دون النوافل، وهو مذهب أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم وأكثر معتزلة البصرة.