الأشقى " وهو الكافر بالله " الذي كذب " بآيات الله ورسله " وتولى " أي أعرض عن الايمان " وسيجنبها " أي سيجنب النار ويجعل منها على جانب " الأتقى " المبالغ في التقوى " الذي يؤتي ماله " أي ينفقه في سبيل الله " يتزكى " أي يكون عند الله زكيا لا يطلب بذلك رئاء ولا سمعة.
قال القاضي قوله: " لا يصليها " الآية لا يدل على أنه تعالى لا يدخل النار إلا الكافر على ما تقوله الخوارج وبعض المرجئة، وذلك لأنه نكر النار المذكورة ولم يعرفها فالمراد بذلك أن نارا من جملة النيران لا يصليها إلا من هذه حاله، والنيران دركات على ما بينه سبحانه في سورة النساء في شأن المنافقين (1) فمن أين عرف أن غير هذه النار لا يصليها قوم آخرون، وبعد فان الظاهر من الآية يوجب أن لا يدخل النار إلا من كذب وتولى وجمع بين الامرين، فلابد للقوم من القول بخلافه لأنهم يوجبون النار لمن يتولى عن كثير من الواجبات وإن لم يكذب، وقيل: إن الأتقى والأشقى المراد بهما التقي والشقي (2) انتهى.
ثم اعلم أنه عليه السلام استدل بالآيات الأول على أن وعيد النار في مكة إنما كان على الكفار، لأنه سبحانه حصر الصلي بالنار على الأشقى الذي كذب الرسول وتولى عن قبول قوله في التوحيد أو الأعم، ومن كذب الرسول وأعرض عما جاء به كافر مشرك، فظهر أنه لم يكن يومئذ يستحق النار غير المشركين والكفار من الفساق، وإليه أشار عليه السلام بقوله " فهذا مشرك " وهذا وجه حسن واستدلال متين، لكن كيف يستقيم على هذا الآيات التالية وهي قوله " وسيجنبها الأتقى " الخ فإنها تدل على أن غير الأتقى لا يجنب النار.
ويمكن الجواب عنه بوجوه:
الأول أن المضارع في قوله تعالى: " لا يصليها " للحال، واستعمل الصلي في