قوله عليه السلام: " ولم يستحل " الظاهر أن المراد بالاستحلال هنا الجرأة على الله، وانتهاك ما حرم الله فكأنه عده حلالا، لقوله بعد ذلك " ولا شكوا في شئ مما جاء به موسى " وما قيل: دل على أن مخالفة الاحكام كفر يوجب دخول النار مع الاستحلال، والظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأمة، وما ذلك إلا لان الاقرار بها والعمل بها داخلان في الايمان، وإذا كان كذلك كان تاركها وإن لم يستحل كافرا يعذب بالنار أيضا فلا يخفى وهنه.
" حيث استحلوا الحيتان " أي استحلوا صيدها أو أكلها أو حبسها أيضا، وقوله " يوم السبت " ظرف لكل من " احتبسوها " و " أكلوها " أو لاستحلوا، أيضا أي استحلوا أولا حبسها يوم السبت، ثم استحلوا صيدها وأكلها فيه، وقيل: يوم السبت ظرف لاحتبسوها لا لأكلوها أي احتبسوها يوم السبت في مضيق بسد الطريق عليها ثم اصطادوها يوم الأحد وأكلوها، فعلوا ذلك حيلة ولم تنفعهم، لان احتباسها فيه هتك لحرمته، فخرجوا بذلك من الايمان إلى الكفر، ولذلك غضب الله عليهم من غير أن يشركوا بالرحمان، وأن يشكوا في رسالة موسى وما جاء به، ولذلك لم يصطادوا يوم السبت، فعلم أن الايمان ليس مجرد التصديق، بل هو مع العمل لان المؤمن لا يغضب ولا يدخل النار، وفيه شئ لان استحلالهم الحيتان ينافي ظاهرا عدم شكهم بما جاء به موسى، ويمكن دفعه بأن ما جاء به موسى تحريم الحيتان يوم السبت وهم استحلوها يوم الأحد، ولحق بهم ما لحق بسبب احتباسهم يوم السبت انتهى.
وأقول: قد عرفت معنى الاستحلال، وهو معنى شائع في المحاورات فلا يرد ما أورده، وأما الجواب الذي ذكره فهو أيضا لا يسمن ولا يغنى من جوع، لان الاحتباس إذا لم يكن منهيا عنه، فكيف عذبوا عليه، وإن كان داخلا فيما نهوا عنه عاد الاشكال، مع أن ظاهر أكثر الروايات المعتبرة أنهم بعد تلك الحيلة تعدى أكثرهم إلى الصيد والاكل يوم السبت فاعتزلت طائفة منهم فلم يمسخوا وبقيت طائفة منهم فمسخوا أيضا، لتركهم النهي عن المنكر، وإن اختلف المفسرون