وبعضهم لم يستحق ذلك فيخذله الله فيختار الكفر بمعنى الجحود.
وكأن هذا أظهر من الخبر، لكن فيه أنه لم يظهر منه أنه هل يمكن أن ينقله الله من كفر الجحود إلى الايمان؟ والظاهر أن مراد السائل كان استعلام ذلك ويمكن الجواب بوجهين الأول أن نحمل كلام السائل ثانيا على الاخبار أو التعجب لا الاستفهام، ولما كان كلامه موهما لكون ذلك على الجبر أفاد عليه السلام أن هدايته سبحانه وخذلانه لا يوجبان سلب الاختيار، فإنهم على الفطرة القابلة لهما، والثاني أن يقال إنه أفاد عليه السلام قاعدة كلية يظهر منه جواب ذلك، وهو أنه يمكن ذلك لكن بهذا النحو المذكور لا بالجبر.
فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المتكلمين اختلفوا في أن المؤمن بعد اتصافه بالايمان الحقيقي في نفس الامر، هل يمكن أن يكفر أم لا؟ ولا خلاف في أنه لا يمكن ما دام الوصف، وإنما النزاع في إمكان زواله بضد أو غيره، فذهب أكثرهم إلى جواز ذلك بل إلى وقوعه، وذلك لان زوال الضد بطريان ضده أو مثله على القول بعدم اجتماع الأمثال ممكن، لأنه لا يلزم من فرض وقوعه محال وظاهر كثير من الآيات الكريمة دال عليه كقوله تعالى " إن الذين آمنوا ثم كفروا [ثم آمنوا ثم كفروا] ثم ازدادوا كفرا " (1) وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين " (2).
وذهب بعضهم إلى عدم جواز زوال الايمان الحقيقي بضد أو غيره، وقال الشهيد الثاني قدس الله روحه ونسب ذلك إلى السيد المرتضى رضي الله عنه مستدلا بأن ثواب الايمان دائم، وعقاب الكفر دائم، والاحباط والموافاة عنده باطلان أما الاحباط فلاستلزام أن يكون الجامع بين الاحسان والإساءة بمنزلة من لم يفعلهما مع تساويهما، أو بمنزلة من لم يحسن إن زادت الإساءة، وبمنزلة من لم يسئ مع العكس، واللازم بقسميه باطل قطعا فالملزوم مثله وأما الموافاة فليست