نعيم الصحاف قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لم يكون الرجل عند الله مؤمنا قد ثبت له الايمان عنده ثم ينقله الله بعد من الايمان إلى الكفر؟ قال: فقال: إن الله عز وجل هو العدل، إنما دعا العباد إلى الايمان به لا إلى الكفر، ولا يدعو أحدا إلى الكفر به، فمن آمن بالله ثم ثبت له الايمان عند الله لم ينقله الله عز وجل بعد ذلك من الايمان إلى الكفر.
قلت له: فيكون الرجل كافرا قد ثبت له الكفر عند الله ثم ينقله الله بعد ذلك من الكفر إلى الايمان؟ قال: فقال: إن الله عز وجل خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها، لا يعرفون إيمانا بشريعة، ولا كفرا بجحود، ثم بعث الله الرسل تدعو العباد إلى الايمان به، فمنهم من هدى الله ومنهم من لم يهده الله (1).
بيان: يمكن أن يكون بناء الجوابين على أمر واحد، وهو أن هدايته تعالى وخذلانه المعبر عنه بالاضلال ليسا علتين مستقلتين للنقل من الكفر إلى الايمان ومن الايمان إلى الكفر، بل كل منهما باختيار العبد، والهدايات الخاصة لبعض لا تصيره مجبورا على الايمان، وترك تلك الهدايات لبعض لعدم استحقاقه لها لا يصيره مجبورا على الكفر كما مر تحقيقه.
ويحتمل أن يكون بناؤها على الفرق بينهما، فحاصل الجواب الأول أن المؤمن الواقعي الذي ثبت إيمانه عند الله، ولم يكن منافقا ومستودعا لا يسلب الله منه توفيقه وهدايته، ولا يرجع عن الايمان أبدا، ومن تراه يرجع فليس بمؤمن واقعي بل هو ممن يظهر الايمان، ولم يستقر في قلبه، كما اختاره بعض المتكلمين وحاصل الثاني أن الكفر لما كان أمرا عدميا والناس في بدو الفطرة لم يتصفوا بالايمان، لكنهم على الفطرة القابلة للايمان، وللكفر بمعنى الجحود لا الكفر بمعنى عدم الايمان، فإنه متصف به قبل التصديق والاذعان، فبعث الله الرسل لاتمام الحجة عليهم، ثم بعد ذلك بعضهم يستحق الهدايات والالطاف الخاصة بحسن اختياره، وعدم إبطاله الفطرة الأصلية، فتشمله تلك الألطاف فيختار الايمان