إلى الحق فأعرضوا عنه ولم يقبلوه، وأبصارهم بما رأوا من الآيات الدالة على وحدانية الله فلم يؤمنوا، وسائر جلودهم بما باشروه من المعاصي والأعمال القبيحة وقيل: في شهادة الجوارح قولان أحدهما أن الله تعالى يبنيها بنية الحي (1) و يلجئها إلى الاعتراف والشهادة بما فعله أصحابها، والاخر أن الله تعالى تفعل الشهادة فيها وإنما أضاف الشهادة إليها مجازا وقيل في ذلك أيضا وجه ثالث: وهو أنه يظهر فيه أماراته الدالة على كون أصحابها مستحقين للنار فسمي ذلك شهادة مجازا كما يقال عيناك تشهدان بسهرك، وقيل: إن المراد بالجلود هنا الفروج على طريق الكناية عن ابن عباس والمفسرين (2) ثم قال " وما كنتم تستترون أن يشهد " أي من أن يشهد عليكم سمعكم معناه وما كنتم تستخفون أي لم يكن مهيئا لكم أن تستتروا أعمالكم عن هذه الأعضاء لأنكم كنتم بها تعملون، فجعلها الله شاهدة عليكم في القيامة، وقيل: معناه وما كنتم تتركون المعاصي حذرا أن تشهد عليكم جوارحكم بها، لأنكم ما كنتم تظنون ذلك " ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما " كنتم " تعملون " لجهلكم بالله تعالى، فهان عليكم ارتكاب المعاصي لذلك، وروي عن ابن مسعود أنها نزلت في ثلاثة نفر تساروا فقالوا أترى أن الله تعالى يسمع تسارنا؟ ويجوز أن يكون المعنى أنكم عملتم عمل من ظن أن عمله يخفى على الله كما يقال أهلكت نفسي أي عملت عمل من أهلك النفس، وقيل: إن الكفار كانوا يقولون إن الله لا يعلم ما في أنفسنا، لكنه يعلم ما نظر، عن ابن عباس " و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرديكم " " ذلكم " مبتدأ و " ظنكم " خبره و " أرديكم " خبر ثان، ويجوز أن يكون ظنكم بدلا من ذلك، ويكون المعنى وظنكم الذي ظننتم بربكم أنه لا يعلم كثيرا مما تعملون أهلككم، إذ هون عليكم أمر المعاصي وأدى بكم إلى الكفر " فأصبحتم من الخاسرين " أي فظللتم من جملة من
(٤٧)