ما وقع منها على نجاسة لقضيت من ذلك العجب إن كنت بصيرا على نفسك (1)، وفارغا من هم بطنك وفرجك وشهوات نفسك في معاداة أقرانك وموالاة إخوانك، ثم دع عنك جميع ذلك فانظر إلى بنيانها بيتها من الشمع واختيارها من جميع الاشكال المسدس فلا تبني بيتها مستديرا ولا مربعا ولا مخمسا بل مسدسا لخاصية في الشكل المسدس يقصر فيه فهم المهندس (2) وهو أن أوسع الاشكال وأحوالها المسدس وما يقرب منه فان المربع يخرج منه زوايا ضائعة، وشكل النحل مستدير مستطيل فترك المربع حتى لا يبقى الزوايا فارغة، ثم لو بناها مستديرة لبقيت خارج البيوت فرج ضائعة فان الاشكال المستديرة إذا اجتمعت لم تجتمع متراصة ولا شكل في الاشكال ذوات الزوايا يقرب في الاحتواء من المستدير ثم تتراص الجملة بحيث لا يبقى بعد اجتماعها فرجة إلا المسدس، وهذه خاصية هذا الشكل، فانظر كيف ألهم الله تعالى النحل على صغر جرمه ذلك لطفا به وعناية بوجوده فيما هو محتاج إليه، ليتهيأ عيشه (3)، فسبحانه ما أعظم شأنه وأوسع لطفه وامتنانه.
وفي طبعه أنه يهرب بعضه عن بعض، ويقاتل بعضه بعضا في الخلايا، ويلسع من دنا من الخلية، وربما هلك الملسوع، وإذا هلك منها شئ داخل الخلايا أخرجته الاحياء إلى الخارج، وفي طبعه أيضا النظافة فلذلك يخرج رجيعه من الخلية لأنه منتن الريح، وهو يعمل زماني الربيع والخريف، والذي يعمله (4) في الربيع أجود والصغير أعمل من الكبير، وهو يشرب من الماء ما كان عذبا صافيا يطلبه حيث كان ولا يأكل من العسل إلا قدر شبعه، وإذا قل العسل في الخلية قذفه بالماء ليكثر خوفا على نفسه من نفاده لأنه إذا نفد أفسد النحل بيوت الملوك وبيوت الذكور، وربما قتلت ما كان منها هناك.