الهدهد عارفا بالله تعالى، وإنما أخبر بذلك كما يخبر مراهقو صبياننا لأنه لا تكليف إلا على الملائكة والانس والجن، فيرانا الصبي على عبادة الله فيتصور أن ما خالفها باطل، فكذلك الهدهد تصور له أن ما خالف فعل سليمان باطل، وهذا الذي ذكره خلاف ظاهر القرآن لأنه لا يجوز أن يفرق بين الحق الذي هو السجود لله وبين الباطل الذي هو السجود للشمس، وأن أحدهما حسن، والآخر قبيح إلا العارف بالله سبحانه وبما يجوز عليه وبما لا يجوز، هذا مع نسبة تزيين أعمالهم وصدهم عن طريق الحق إلى الشيطان، وهذه مقالة من يعرف العدل وأن القبيح غير جائز على الله تعالى (1).
وقال قدس سره في قوله سبحانه في سورة العنكبوت: " وكأين من دابة لا تحمل رزقها ": أي وكم من دابة لا يكون رزقها مدخرا معدا عن الحسن، وقيل:
معناه لا يطيق حمل رزقها لضعفها وتأكل بأفواهها، عن مجاهد، وقيل، إن الحيوان أجمع من البهائم والطيور وغيرهما مما يدب على وجه الأرض لا يدخر القوت لغدها إلا بني آدم والنملة والفارة، بل تأكل منها قدر كفايتها فقط، عن ابن عباس، " الله يرزقها وإياكم " أي يرزق تلك الدابة الضعيفة التي لا تقدر على حمل رزقها ويرزقكم أيضا فلا تتركوا الهجرة بهذا السبب، عن ابن عمر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار فجعل يلتقط من التمر ويأكل، فقال:
يا ابن عمر مالك لا تأكل؟ فقلت: لا أشتهيه يا رسول الله، فقال: ولكني أشتهيه وهذه صبيحة رابعة منذ لم أذق طعاما ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر، فكيف بك يا ابن عمر إذا وبقيت مع قوم يخبؤون رزق سنتهم لضعف اليقين فوالله ما برحنا حتى نزلت الآية " وهو السميع " أي لأقوالكم عند مفارقة أوطانكم " العليم " بأحوالكم لا يخفى عليه شئ من سركم وإعلانكم (2).