ولما كان علم الغيب منطويا عن العبد، (1) وربما تعارض عقله قوى الشهوية وتخاطه الخيالات النفسانية فيتوهم أمرا فيه فساده صلاحا فيطلبه من الله سبحانه ويلح في السؤال عليه، ولو يعجل الله اجابته ويفعله به لهلك البتة (2).
وهذا أمر ظاهر العيان غنى عن البيان كثير الوقوع، فكم نطلب أمرا ثم نستعيذ منه، وكم نستعيذ من أمر ثم نطلبه، وعلى هذا خرج (3) قول علي عليه السلام: رب أمر حرص الانسان عليه فلما أدركه ود ان لم يكن أدركه.
وكفاك قوله تعالى: (وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) فان الله تعالى من وفور كرمه وجزيل نعمه لا يجيبه إلى ذلك اما لسابق رحمته به فإنه هو الذي سبقت رحمته غضبه وإنما أنشأه (4) رحمة به وتعريضا (تعرضا) لاثابته (5) وهو الغنى عن خلقه ومعاقبته أو لعلمه سبحانه بان المقصود للعبد من دعائه هو اصلاح حاله، فكأن ما طلبه ظاهرا غير مقصود له مطلقا بل بشرط نفعه له فالشرط المذكور حاصل في نيته وان لم يذكره بلسانه بل وان لم يخطر بقلبه حالة الدعا هذا الشرط، فهو كالأعجمي الذي لقن لفظا لا يعرف معناه أو سمع لفظا توهمه علما على شئ ثم طلبه من عارف يقصده فإنه يعطيه ما علم قصده إليه لا ما دل ظاهر لفظة عليه، وهذا هو معنى الدعا الملحون الذي لا يقبله الله على ما ورد في بعض الأخبار.