فاعلم أيدك (1) الله انه لما كان الواقع خلاف ما دل عليه ظاهر الخبرين عدل الناس إلى تأويلهما، فبعض قال: الدعاء الملحون دعاء الانسان على نفسه في حالة ضجرة بما فيه ضررها واستشهد على ذلك بقوله تعالى: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم للخير لقضى إليهم اجلهم) قال المفسرون: أي ولو يعجل الله للناس الشر أي إجابة دعائهم في الشر إذا دعوا به على أنفسهم وأهليهم عند الغيظ (2) والضجر مثل قول الانسان: رفعني الله من بينكم. استعجالهم بالخير أي كما يعجل لهم إجابة الدعوة بالخير إذا استعجلوه بالخير لقضى إليهم اجلهم لفرغ من اهلاكهم، ولكن سبحانه تعالى لا يعجل لهم الهلاك بل يمهلهم (3) حتى يتوبوا وقال بعضهم: الدعاء الملحون دعاء الوالد على ولده في حال ضجره منه لان النبي صلى الله عليه وآله سئل الله عز وجل: ان لا يستجيب دعاء محب على حبيبه.
وبعضهم قال: الذي لا يكون جامعا لشرايطه والكل بمعزل عن التحقيق لان مقدمة الخبر لا تدل على ذلك لان الكلام قد ورد في معرض مدح النحو.
بل التحقيق ان نقول: اما الخبر الأول فالمراد من قوله عليه السلام: ان الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله عز وجل أي لا يسمعه ملحونا، ويجازى عليه جاريا على لحنه مقابلا له بما دل ظاهر لفظة عليه بل يجازى على قصد الانسان من دعائه.
كما سمع من بعضهم يقول عند زيارته المعصوم عليهم السلام: واشهد انك قتلت وظلمت وغصبت بفتح أول الكلمة، ومن المعلوم بالضرورة ان هذا الدعا لو سمع منه جاريا على لحنه لحكمنا بارتداده ووجوب تعزيره ولم يقل: به أحد، فدل ذلك على ا ن الدعا لا يجزى (يجرى) على ظاهر لفظة إذا كان المقصود منه غير ذلك.
ويدل عليه أيضا اجماع الفقهاء على الله تعالى درجاتهم على أن الانسان (انسانا) لو قذف (4)