وهاجر السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه من الحلة إلى بغداد، وتزوج فيها بنت الوزير ناصر بن مهدي زهراء خاتون، واستوجب هذا الزواج أن يبقى في بغداد مدة طويلة، كما ذكره في كشف المحجة (1).
وفي خلال تلك الفترة التي قضاها السيد في بغداد كان يتمتع بجاه كبير وعلو شأن عند المسؤولين آنذاك، حيث إنهم كثيرا ما عرضوا عليه أن يتولى المناصب الحكومية أو يكون رسولا من قبل الخليفة المستنصر إلى بعض الملوك والرؤساء، إلا أنه كان يرفض ذلك، لكي يتفرع لعبادة الله تعالى ويبتعد عن الدنيا وزخارفها.
وحينما طلب منه الخليفة المستنصر أن يقبل الوزارة فإنه رفضها معللا رفضه بجواب المستنصر قائلا:
إذا كان المراد بوزارتي على عادة الوزراء يمشون أمورهم بكل مذهب وكل سبب، سواء كان ذلك موافقا لرضى الله جل جلاله ورضى سيد الأنبياء والمرسلين أو مخالفا لهما في الآراء، فإنك من أدخلته الوزارة بهذه القاعدة قام بما جرت عليه العوائد الفاسدة.
وإن أردت العمل في ذلك بكتاب الله جل جلاله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله، فهذا أمر لا يحتمله من في دارك ولا مماليك ولا خدمك ولا حشمك ولا ملوك الأطراف ويقال لك إذا سلكت سبيل العدل والانصاف والزهد: إن هذا علي ابن طاووس علوي حسني ما أراد بهذه الأمور إلا أن يعرف أهل الدور أن الخلافة لو كانت إليهم كانوا على هذه القاعدة من السيرة، وأن في ذلك ردا على الخلفاء من سلفك وطعنا عليهم، فيكون مراد همتك أن تقتلني في الحال ببعض أساب الاعذار والأحوال، فإذا كان الامر يفضي إلى هلاكي بذنب في الظاهر، فها أنا ذا بين يديك اصنع بي ما شئت