.. وقال مضرس الفقعسي وإذا نموا صعدا فليس عليهم * منا الخيال ولا نفوس الحسد .. وقال ابن هرمة يمدح عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك فأسلم سلمت من المكاره والردى * وعثارها ووقيت نفس الحسد .. والنفس أيضا من الدباغ بمقدار الدبغة يقول اعطني نفسا من دباغ أي قدر ما أدبغ به مرة.. والنفس الغيب يقول القائل إني لا أعلم نفس فلان أي غيبه وعلى هذا تأويل قوله تعالى (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) أي تعلم غيبي وما عندي ولا أعلم غيبك .. وقيل إن النفس أيضا العقوبة من قولهم أحذرك نفسي أي عقوبتي وبعض المفسرين يحمل قوله تعالى (ويحذركم الله نفسه) على هذا المعنى كأنه يحذركم عقوبته.. وروى ذلك عن ابن عباس والحسن وآخرين قالوا معنى الآية ويحذركم الله إياه.. وقد وروى عن الحسن ومجاهد في قوله تعالى (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) ما ذكرناه من التأويل بعينه.. فان قيل ما وجه تسمية الغيب بأنه نفس قلنا لا يمتنع أن يكون الوجه في ذلك ان نفس الانسان لما كانت خفية الموضع نزل ما يكتمه ويجتهد في ستره منزلتها وسمي باسمها فقيل فيه انه نفسه مبالغة في وصفه بالكتمان والخفاء وإنما حسن أن يقول تعالى مخبرا عن نبيه عليه الصلاة والسلام ولا أعلم ما في نفسك من حيث تقدم قوله (تعلم ما في نفسي) ليزدوج الكلام ولهذا لا يحسن ابتداء أن يقول أنا لا أعلم ما في نفس الله تعالى وان حسن على الوجه الأول ولهذا نظائر في الاستعمال مشهورة مذكورة.. فأما الخبر الذي يرويه السائل فتأويله ظاهر وهو خارج على مذهب العرب في مثل هذا الباب معروف ومعناه ان من ذكرني في نفسه جازيته على ذكره لي وإذا تقرب إلى شبرا جازيته على تقربه إلي وكذلك الخبر إلى آخره فسمى المجازاة على الشئ باسمه اتساعا كما قال تعالى (وجزاء سيئة سيئة مثلها. ويمكرون ويمكر الله. الله يستهزئ بهم).. وكما قال الشاعر ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهله الجاهلينا
(٨)