أن يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر باستعمال السحر والاقدام على فعله وهذا كما يقول الرجل ما أمرت فلانا بكذا ولقد بالغت في نهيه حتى قلت له انك ان فعلته أصابك كذا وكذا وهذا هو نهاية البلاغة في الكلام والاختصار الدال مع اللفظ القليل على المعاني الكثيرة لأنه استغنى بقوله (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة) عن بسط الكلام الذي ذكرناه ولذلك نظائر في القرآن قال الله تعالى (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) فلولا الاختصار لكان شرح الكلام بقوله ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ولو كان معه إله إذا لذهب كل إله بما خلق ومثله قوله تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب) أي فيقال للذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم وأمثاله أكثر من أن تورد.. ثم قال تعالى (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) وليس يجوز أن يرجع الضمير في هذا الجواب إلى الملكين وكيف يرجع إليهما وقد نفى عنها التعليم بل يرجع إلي الكفر والسحر وقد تقدم ذكر السحر وتقدم أيضا ذكر ما يدل على الكفر ويقتضيه في قوله ولكن الشياطين كفروا فدل كفروا على الكفر والعطف عليه مع السحر جائز وإن كان التصريح قد وقع بذكر السحر دونه ومثل ذلك قوله تعالى (سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى) أي يتجنب الذكرى الأشقى ولم يتقدم تصريح بالذكرى لكن دل عليها قوله سيذكر.. ويجوز أيضا أن يكون المعنى فيتعلمون منهما أي بدلا مما علمهم الملكان ويكون المعنى انهم يعدلون عما علمهم ووقفهم عليه الملكان من النهي عن السحر إلى تعلمه واستعماله كما يقول القائل ليت لنا من كذا كذا وكذا أي بدلا منه.. وكما قال الشاعر جمعت من الخيرات وطبا وعلبة وصر الأخلاف المزهمة البزل (1)
(٧٩)