فأما قوله - تغض له الطرف العيون - فيشبه أن يكون مأخوذا من قول الفرزدق أو ممن تنسب (1) إليه هذه الأبيات يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم
(1) قوله أو ممن تنسب إليه يشير بهذا إلى أن القصيدة المشهورة التي تنسب للفرزدق في سيدنا زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهم التي قالها لما قال هشام حين سأله رجل من أهل الشام من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة وذلك أن هشاما حج في خلافة أبيه فطاف ولم يستطع استلام الحجر لشدة الزحام فلما جاء زين العابدين رضي الله عنه تنحى الناس له فقال هشام للشامي لا أعرفه فقال الفرزدق أنا أعرفه وأنشأ يقول هذا سليل حسين نجل فاطمة * بنت الرسول الذي انجابت به الظلم فحبسه هشام بين مكة والمدينة فقال الفرزدق أبياته التي منها يقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعينا له حولاء باد عيوبها ففكه ثم بعث إليه زين العابدين رضي الله عنه اثني عشر ألف درهم فردها وقال مدحتك لله تعالى لا للعطاء فقال زين العابدين إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئا لا نستعيده فقبلها ولم يثبت للفرزدق منها غير سبعة أبيات ونسب بعضها إلى أبي دهبل الجمحي.. وأما قوله يغضى حياء الخ وقوله في كفه خيزران ريحها عبق * في كف أروع في عرنينه شمم فقيل انهما لداود بن سلم يمدح بهما قثم بن العباس بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وبعدهما هاتف بك من أوج ورابية * يدعوك يا قثم الخيرات يا قثم وروى من غير هذا الوجه ان عبد الله بن عبد الملك حج فقال له أبوه سيأتيك الحزين الشاعر بالمدينة وهو ذرب اللسان فإياك أن تحتجب عنه وأرضه وصفته انه أشعر ذو بطن عظيم الأنف فلما قدم عبد الله المدينة وصفه لحاجبه وقال له إياك أن ترده فلم يأت الحزين حتى قام لينام فقال له الحاجب قد ارتفع فلما ولى ذكر فلحقه فقال ارجع فاستأذن له فأدخله فلما صار بين يديه ورأي جماله وبهاءه وفي يده قضيب خيزران وقف ساكتا فأمهله عبد الله حتى ظن أنه قد أراح ثم قال له السلام عليك رحمك الله أولا فقال عليك السلام وحيا الله وجهك أيها الأمير انى قد كنت مدحتك بشعر فلما دخلت عليك ورأيت جمالك وبهاءك أذهلني عنه فأنسيت ما كنت قلته وقد قلت في مقامي هذا بيتين فقال ما هما فقال في كفه خيزران ريحها عبق * من كف أروع في عرنينه شمم يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم بتقديم الأول على الثاني في هذه الرواية فأجازه فقال إخدمني أصلحك الله فإنه لا خادم لي فقال اختر أحد هذين الغلامين فأخذ أحدهما فقال له عبد الله أعلينا ترذل خذ الأكبر والناس يروون هذين البيتين للفرزدق في أبياته التي يمدح بها علي بن الحسين رضي الله عنهما وهو غلط ممن رواه فيها وليس هذان البيتان مما يمدح به مثله وله من الفضل المتعالم ما ليس لأحد