يتصل به أو بما ينفصل عنه أو بما يتصل بما ينفصل عنه، وذلك كالبصر فإن شعاعه لا بد من أن يتصل بالمبصر أو بما ينفصل عنه أو بما يتصل بما ينفصل عنه، ولو كان يحس به بغير اتصال لما ضر الساتر والحاجز ولا ضرت الظلمة ولكان وجود ذلك وعدمه في وقوع العلم سواء.
فإن قال قائل: أفيتصل شعاع البصر بالمشتري وزحل على بعدهما؟
قيل له: لا ولكنه يتصل بالشعاع المنفصل منهما فيصير كالشئ الواحد لتجانسهما وتشاكلهما. وأما الصوت فإنه إذا حدث في أول (1) الهواء الذي يلي الأجسام المصطكة وكذا فيما يليه من الهواء مثله ثم كذلك إلى أن يتولد في الهواء الذي يلي الصماخ فيدركه السامع.
ومما يدل على ذلك أن القصار يضرب بالثوب على الحجر فيرى مماسة الثوب الحجر ويصل الصوت بعد ذلك فهذا دال على ما قلناه من أنه يتولد في الهواء هواء بعد هواء إلى أن يتولد في الهواء الذي يلي الصماخ، وأما الرائحة فإنه تنفصل من جسم ذي الرائحة أجزاء لطاف وتتفرق في الهواء، فما (2) صار منها في الخيشوم الذي يقرب من موضع ذي الرائحة أدركه، وأما الذوق فإنه إدراك ما ينحل من الجسم فيمازج رطوبة اللسان واللهوات، ولذلك لا يوجد طعم ما لا ينحل منه شئ كاليواقيت والزجاج ونحوها، والطعم والرائحة لا خلاف في أنهما لا يكونان إلا بمماسة (3)، واللمس في الحقيقة هو الطلب (4)