بالنوافل وضيع باقي أوقاته في المباحات ولذاتها وأظلم قلبه بزهرات الدنيا وشهواتها بعد عن المولى بعبادة الهوى، ولم تصف الفرائض له في وقت الأداء ونقصت عن حد الكمال وفاته كمال التقرب والتحبب بخلاف ما إذا اشتغل بالنوافل فإنه يوجب كمال الفرائض وزيادة القرب ودوام التحبب، وهكذا حتى يبلغ مرتبة كمال المحبة فلا يحب إلا الله، والله عز وجل يحبه.
ومعنى محبة الله تعالى للعبد كما ذكره شيخ العارفين في الأربعين هو كشف الحجاب عن قلبه وتمكينه من أن يطأ على بساط قربه فإن ما يوصف به سبحانه إنما يؤخذ باعتبار الغايات لا باعتبار المبادي وعلامة حبه سبحانه للعبد توفيقه للتجافي عن دار الغرور، والترقي إلى عالم النور، والأنس بالله والوحشة مما سواه وصيرورة جميع الهموم هما واحدا انتهى.
وفي قوله «إلي» في الموضعين حيث لم يقل إلى جنتي ولا إلى ثوابي وكرامتي ولا إلى بري به وصلتي دلالة واضحة على أنه ينبغي للسالك العابد أن يقصد بعبادته ذاته عز وجل لا عوضا عليها ولا جزاء فإن العوض والجزاء غيره تعالى ومن كانت عبادته للأغيار لم تصف محبته للولي الجبار.
كما قيل لن يصل العبد إلى حقيقة الحرية وقد بقي عليه من غير الله بقية. ثم أشار إلى شرف منزلة المحبة وبعض آثارها بقوله:
(فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته) ليس المراد ما يفيده ظاهر (1) هذه العبارة من