شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٩ - الصفحة ٤١٦
التأكيد والمبالغة بقوله: «وإن نقل الرحم انقطاع النسل» من باب حمل المسبب على السبب مبالغة في السببية، وفيه أيضا تحذير عن القطيعة بسوء عاقبتها في الدنيا أيضا.
5 - علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عنبسة العابد قال: جاء رجل فشكا إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أقاربه، فقال له: أكظم غيظك وافعل، فقال: إنهم يفعلون ويفعلون، فقال: أتريد أن تكون مثلهم فلا ينظر الله إليكم.
* الشرح:
قوله (جاء رجل فشكا إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أقاربه فقال له: أكظم غيظك وافعل فقال: إنهم يفعلون ويفعلون فقال: أتريد أن تكون مثلهم فلا ينظر الله إليكم) أمره (عليه السلام) بكظم الغيظ وعدم إجراء الغضب، وهو من فضائل القوة الغضبية وداخل تحت الشجاعة، ثم أمره بالوصل والإحسان إليهم حيث قال «وافعل» فاعتذر السائل بأنهم يقطعون ويظلمون ويستمرون حيث قال «إنهم يفعلون ويفعلون» فكيف يستحقون الوصل والإحسان في مقابلة القطع والعدوان فزجره (عليه السلام) عن ذلك بقوله «أتريد أن تكون مثلهم» في القطع والظلم والطغيان «فلا ينظر الله إليكم» جميعا أي يسلب عنكم رحمته وإثابته في الآخرة وإحسانه وإفضاله في الدنيا، وإذا وصلت فربما يصير وسيلة لرجوعهم إلى الوصل ولو لم يرجعوا اختص عدم النظر بهم.
6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقطع رحمك وإن قطعتك.
* الشرح:
قوله (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تقطع رحمك وإن قطعتك) فكيف إذا وصلتك، ومقابلة الإساءة بالإكرام من صفات الكرام سيما إذا كان المسئ قريبا وفيه مبالغة في صلة الرحم وحث عليها، فإنك إذا قطعتك وقطعتها آل الأمر إلى القطع بالكلية، وأوجب ذلك قصر العمر وضيق الرزق وضنك العيش وتسلط الأعداء بخلاف ما إذا قطعتك ووصلتها، فإن وصلك يوجب زوال قطعها بالأخرة، ولو فرض بقاؤه على القطع كان الإثم والنكال عليه لا عليك.
7 - عدة من أصحابنا، محمد أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه رفعه، عن أبي حمزة الثمالي قال:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته: أعوذ بالله من الذنوب التي تعجل الفناء، فقام إليه عبد الله بن الكوا، اليشكري فقال: يا أمير المؤمنين أو تكون ذنوب تعجل الفناء؟ فقال: نعم وتلك قطيعة الرحم، إن أهل البيت ليجتمعون ويتواسون وهم فجرة فيرزقهم الله، وإن أهل البيت ليتفرقون ويقطع بعضهم بعضا فيحرمهم الله وهم أتقياء (1).

1 - قوله «فيحرمهم الله وهم أتقياء» من لوازم التعاون والتواسي بين الأرحام كثرة المال وسعة الرزق سواء كان المتواسون أتقياء أو فجرة ولازم العكس العكس، كما أن من لوازم البطالة والكسل الحرمان ومن لوازم الجد والكسب كثرة المال نوعا سواء كان التاجر مؤمنا أو كافرا، وعلى هذا فلا يدل الخبر على جواز الموادة والمعاشرة مع الفجرة والفساق خصوصا إذا خاف من سراية أخلاقهم الفاسدة وأعمالهم القبيحة إلى نفسه وإلى أهل بيته فإنا مكلفون بمحادة من حاد الله وإن كان من أقرب الأقرباء قال الله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) ومع ذلك لا أرى تجويز قطع الرحم مطلقا حينئذ بل كل صلة لا تستلزم موادة ولا تنافي النهي عن المنكر، مثلا ان كانوا فقيرا فأحسن إليهم وأعطاهم شيئا يسد خلتهم من غير أن يظهر مودة قلبية تغريهم أو كانوا في مهلكة نجاهم منها لنفوسهم المحترمة أو كانوا مظلومين وقدر على دفع الظلم عنهم فدفع وأمثال ذلك لم يكن به بأس وإن كانوا فساقا وهذه صلتهم أو كما أن قولهم (عليهم السلام) تسعة أعشار الرزق في التجارة يشمل ظاهره كل تجارة ولا يدل على تجويز التجارة المحرمة كذلك الحث على صلة الرحم وكونها منماة للمال لا يوجب جواز كل معاشرة محرمة مع الفساق كالحضور في مجلس لهو هم وشربهم وإن كان التعاون يوجب كثرة الرزق فتدبر. كان في أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) من يقاتل أقاربه كأبيه وأخيه، وقد قتل كعب بن الأشرف اليهودي من بني النضير أخوه من الرضاعة وهو مسلم قتله غيلة على ما هو مشهور، فإن قيل كيف هذا وقد منع الاسلام عن القتل غيلة وقد ذكرت سابقا (ص 373) أن أصحاب المروات أيضا يستقبحون قتل المستأمن والغافل ومن لا يحتمل الخيانة فلا يحترز فكيف قتل كعب بن الأشرف غيلة. قلنا هنا كانت الحرب قائمة ولم يكن أحد منهم يتوقف الفتك بالمسلمين مهما أمكنهم وكان مقام تحرز ومكيدة ولو كان أحد منهم استجار بالمسلمين لم يتعرضوا له حتى يبلغوه مأمنه. (ش).
(٤١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الاستغناء عن الناس 3
2 باب صلة الرحم 6
3 باب البر بالوالدين 19
4 باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم 29
5 باب اجلال الكبير 31
6 باب إخوة المؤمنين بعضهم لبعض 33
7 باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الايمان وينقضه 38
8 باب في ان التواخي لم يقع على الدين وانما هو التعارف 39
9 باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه 40
10 باب التراحم والتعاطف 51
11 باب زيارة الاخوان 52
12 باب المصافحة 57
13 باب المعانقة 63
14 باب التقبيل 65
15 باب تذاكر الاخوان 67
16 باب ادخال السرور على المؤمنين 71
17 باب قضاء حاجة المؤمن 77
18 باب السعي في حاجة المؤمن 82
19 باب تفريج كرب المؤمن 87
20 باب اطعام المؤمن 89
21 باب من كسا مؤمنا 95
22 باب في إلطاف المؤمن وإكرامه 97
23 باب في خدمته 101
24 باب نصيحة المؤمن 101
25 باب الإصلاح بين الناس 103
26 باب في أحياء المؤمن 105
27 باب في الدعاء للأهل إلى الايمان 107
28 باب في ترك دعاء الناس 108
29 باب أن الله إنما يعطي الدين من يحبه 114
30 باب سلامة الدين 115
31 باب التقية 118
32 باب الكتمان 127
33 باب المؤمن وعلاماته وصفاته 137
34 باب في قلة المؤمن 184
35 باب الرضا بموهبة الايمان والصبر على كل شيء بعده 189
36 باب في سكون المؤمن إلى المؤمن 196
37 باب فيما يدفع الله بالمؤمن 197
38 باب في ان المؤمن صنفان 198
39 باب ما اخذه الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه فيما ابتلي به 201
40 باب شدة ابتلاء المؤمن 206
41 باب فضل فقراء المسلمين 221
42 باب 231
43 باب ان للقلب اذنين ينفث فيهما الملك والشيطان 233
44 باب الروح الذي أيد به المؤمن 239
45 باب الذنوب 241
46 باب استصغار الذنب 279
47 باب الإصرار على الذنب 281
48 باب في أصول الكفر وأركانه 283
49 باب الرياء 291
50 باب طلب الرئاسة 300
51 باب اختتال الدنيا بالدين 304
52 باب من وصف عدلا وعمل بغيره 305
53 باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال 306
54 باب الغضب 310
55 باب الحسد 316
56 باب العصبية 321
57 باب الكبر 323
58 باب العجب 332
59 باب حب الدنيا والحرص عليها 337
60 باب الطمع 352
61 باب الخرق 353
62 باب سوء الخلق 354
63 باب السفه 356
64 باب البذاء 358
65 باب من يتقى شره 365
66 باب البغي 367
67 باب الفخر والكبر 369
68 باب القسوة 375
69 باب الظلم 379
70 باب اتباع الهوى 388
71 باب المكر والغدر والخديعة 393
72 باب الكذب 397
73 باب ذي اللسانين 409
74 باب الهجرة 411
75 باب قطعية الرحم 414
76 باب العقوق 418
77 باب الانتفاء 421
78 باب من آذى المسلمين واحتقرهم 421
79 فهرس الآيات 430