يسيرة وهذا يدل على اتفاق حديث ابن مسعود وزيد بن أرقم على أن التحريم كان بالمدينة كما تقدم من كلام صاحب التمهيد وقد اخرج النسائي في سننه من حديث ابن مسعود قال كنت آتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فاسلم عليه فيرد على فاتيته فسلمت عليه فلم يرد على فلما سلم أشار إلى القوم فقال إن الله عز وجل يعنى احدث في الصلاة ان لا تكلموا الا بذكر الله وما ينبغي لكم وان تقوموا لله قانتين وظاهر قوله وان تقوموا لله قانتين يدل على أن ذلك كان بالمدينة بعد نزول قوله تعالى وان تقوموا لله قانتين موافقا لحديث ابن أرقم فظهر بهذا كله ان قصة التسليم كانت بعد الهجرة بخلاف ما ذكره البيهقي * ثم إن البيهقي استدل على ما ذكره بحديث أخرجه (عن ابن مسعود قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ونحن ثمانون رجلا) وفي آخره (قال فجاء ابن مسعود فبادر فشهد بدرا) * قلت * ليس فيه انه جاء إلى مكة كما زعم البيهقي بل ظاهره انه جاء من الحبشة إلى المدينة لأنه جعل مجيئه وشهوده بدرا عقيب هجرته إلى الحبشة بلا تراخ ثم خرج البيهقي (عن موسى بن عقبة أنه قال وممن يذكر انه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة من مهاجرة ارض الحبشة الأولى ثم هاجر إلى المدينة) فذكرهم وذكر فيهم ابن مسعود قال (وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا ذكره سائرا هل المغازي بلا اختلاف بينهم فيه) * قلت * ذكر جماعة من أهل السير والمغازي ان مهاجرة الحبشة بلغهم ان أهل مكة أسلموا فخرجوا إلى مكة حتى إذا كانوا دونها بساعة لقوا ركبا فسألوهم عن قريش فقالوا ذكر محمد آلهتهم بخير فسجدوا معه ثم عاد لشتمها فعادوا له بالشر فأرادوا الرجوع إلى الحبشة ثم قالوا نحدث عهدا باهلنا ثم نرجع فدخلوا بالجوار الا ابن مسعود فإنه مكث يسيرا ثم رجع إلى الحبشة وقد تقدم ان منها هاجر إلى المدينة فقول ابن عقبة قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة من مهاجرة الحبشة أراد به الهجرة الأولى فإنه عليه السلام كان بمكة حينئذ ولم يرد هجرة ابن مسعود الثانية فإنه عليه السلام لم يكن بمكة حينئذ بل بالمدينة فلم يرد ابن عقبة بقوله ثم هاجر إلى المدينة انه هاجر إليها من مكة بل من الحبشة في المرة الثانية وقول البيهقي وهكذا ذكره سائر أهل المغازي ان أراد به شهود ابن مسعود بدرا فهو مسلم ولكن لا يثبت به ما ادعاه أولا وان أراد به ما فهمه من كلامه ابن عقبة ان رجوعه في المرة الثانية كان إلى مكة وان منها هاجر إلى المدينة ليستدل بذلك على أن تحريم الكلام كان بمكة يقال له كلام ابن عقبة يدل على خلاف ذلك كما قررناه ولئن أراد ابن عقبة
(٣٦٢)