وتعالى الثالثة بقوله تعالى فان طلقها فلم تلزم الزيادة على الثلاث بل يجب حمله على هذا لئلا يزمنا القول بتغيير المشروع مع ما انه قد قيل إن معنى قوله تعالى فان طلقها أي ثلاثا وبين حكم الطلقات الثلاث بقوله سبحانه فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فلا يلزم من جعل الخلع طلاقا شرع الطلقة الرابعة والله عز وجل أعلم وأما بيان كيفية هذا النوع فنقول له كيفيتان أحداهما انه طلاق بائن لأنه من كنايات الطلاق وانها بوائن عندنا ولأنه طلاق بعوض وقد ملك الزوج العوض بقبولها فلابد وان تملك هي نفسها تحقيقا للمعاوضة ولا تملك نفسها الا بالبائن فيكون طلاقا بائنا ولأنها إنما بذلت العوض لتخليص نفسها عن حبالة الزوج ولا تتخلص الا بالبائن لان الزوج يراجعها في الطلاق الرجعي فلا تتخلص ويذهب مالها بغير شئ وهذا لا يجوز فكان الواقع بائنا والثانية انه من جانب الزوج يمين وتعليق الطلاق بشرط وهو قبولها العوض ومن جانبها معاوضة المال وهو تمليك المال بعوض حتى لو ابتدأ الزوج الخلع فقال خالعتك على ألف درهم لا يملك الزوج الرجوع عنه ولا فسخه ولا نهى المرأة عن القبول ولا يبطل بقيامه عن المجلس قبل قبولها ولا بشرط حضور المرأة بل يتوقف على ما وراء المجلس حتى لو كانت غائبة فبلغها فلها القبول لكن في مجلسها لأنه في جانبها معاوضة لما نذكر وله ان يعلقه بشرط ويضيفه إلى وقت نحو أن يقول إذا قدم زيد فقد خالعتك على ألف درهم أو يقول خالعتك على ألف درهم غدا أو رأس شهر كذا والقبول إليها بعد قدوم زيد وبعد مجئ الوقت حتى لو قبلت قبل ذلك لا يصح لان التعليق بالشرط والإضافة إلى الوقت تطليق عند وجود الشرط والوقت فكان قبولها قبل ذلك هدرا ولو شرط الخيار لنفسه بان قال خالعتك على ألف درهم على أني بالخيار ثلاثة أيام لم يصح الشرط ويصح الخلع إذا قبلت وإن كان الابتداء من المرأة بان قالت اختلعت نفسي منك بألف درهم فلها أن ترجع عنه قبل قبول الزوج ويبطل بقيامها عن المجلس وبقيامه أيضا ولا يقف على ما وراء المجلس بأن كان الزوج غائبا حتى لو بلغه وقبل لم يصح ولا يتعلق بشرط ولا ينضاف إلى وقت ولو شرط الخيار لها بان قال خالعتك على ألف درهم على أنك بالخيار ثلاثة أيام فقبلت جاز الشرط عند أبي حنيفة وثبت لها الخيار حتى أنها إذا اختارت في المدة وقع الطلاق ووجب المال وان ردت لا يقع الطلاق ولا يلزمها المال وعند أبي يوسف ومحمد شرط الخيار باطل والطلاق واقع والمال لازم وإنما اختلف الجانبان في كيفية هذا النوع لأنه طلاق عندنا ومعلوم ان المرأة لا تملك الطلاق بل هو ملك الزوج لا ملك المرأة فإنما يقع بقول الزوج وهو قوله خالعتك فكان ذلك منه تطليقا الا انه علقه بالشرط والطلاق يحتمل التعليق شرط بالشرط والإضافة إلى الوقت لا تحتمل الرجوع والفسخ ولا يتقيد بالمجلس ويقف الغائب عن المجلس ولا يحتمل شرط الخيار بل يبطل الشرط ويصح الطلاق وأما في جانبها فإنه معاوضة المال لأنه تمليك المال بعوض وهذا معنى معاوضة المال فتراعى فيه أحكام معاوضة المال كالبيع ونحوه وما ذكرنا من أحكامها الا ان أبا يوسف ومحمدا يقولان في مسألة الخيار ان الخيار إنما شرع للفسخ والخلع لا يحتمل الفسخ لأنه طلاق عندنا وجواب أبي حنيفة عن هذا ان يحمل الخيار في منع انعقاد العقد في حق الحكم على أصل أصحابنا فلم يكن العقد منعقدا في حق الحكم للحال بل هو موقوف في علمنا إلى وقت سقوط الخيار فحينئذ يعلم على ما عرف في مسائل البيوع والله الموفق وأما ركنه فهو الايجاب والقبول لأنه عقد على الطلاق بعوض فلا تقع الفرقة ولا يستحق العوض بدون القبول بخلاف النوع الأول فإنه إذا قال خالعتك ولم يذكر العوض ونوى الطلاق فإنه يقع الطلاق عليها سواء قبلت أو لم تقبل لان ذلك طلاق بغير عوض فلا يفتقر إلى القبول وحضرة السلطان ليست بشرط لجواز الخلع عند عامة العلماء فيجوز عند غير السلطان وروى عن الحسن وابن سيرين أنه لا يجوز الا عند السلطان والصحيح قول العامة لما روى أن عمر وعثمان وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم جوزوا الخلع بدون السلطان ولان النكاح جائز عند غير السلطان فكذا الخلع ثم الخلع ينعقد بلفظين يعبر بهما عن الماضي في اللغة وهل ينعقد بلفظين يعبر بأحدهما عن المستقبل وهو الامر والاستفهام فجملة الكلام فيه ان العقد لا يخلو إما أن يكون بلفظة الخلع وإما أن يكون بلفظة البيع والشراء وكل ذلك
(١٤٥)