بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٣ - الصفحة ٦٦
فقد ذكرنا معنى الشرب انه ايصال ما لا يحتمله المضغ من المائعات إلى الجوف حتى لو حلف لا يشرب فأكل لا يحنث كما لو حلف لا يأكل فشرب لا يحنث لان الأكل والشرب فعلان متغايران قال الله تبارك وتعالى وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض عطف الشرب على الاكل والمعطوف غير المعطوف عليه وإذا حلف لا يشرب ولا نية له فأي شراب شرب من ماء أو غيره يحنث لأنه منع نفسه عن الشرب عاما وسواء شرب قليلا أو كثيرا لان بعض الشراب يسمى شرابا وكذا لو حلف لا يأكل طعاما فأكل شيئا يسيرا يحنث لان قليل الطعام طعام ولو حلف لا يشرب نبيذا فأي نبيذ شرب حنث لعموم اللفظ وان شرب سكرا لا يحنث لان السكر لا يسمى نبيذا لأنه اسم لخمر التمر وهو الذي من ماء التمر إذا غلا واشتد وقذف بالزبد أو لم يقذف على الاختلاف وكذا لو شرب فضيخا لأنه لا يسمى نبيذا إذ هو اسم للمثلث يصب فيه الماء وكذا لو شرب عصيرا لأنه لا يسمى نبيذا وان حلف لا يشرب مع فلان شرابا فشربا في مجلس واحد من شراب واحد حنث وإن كان الاناء الذي يشربان فيه مختلفا وكذا لو شرب الحالف من شراب وشرب الآخر من شراب غيره وقد ضمهما مجلس واحد لان المفهوم من الشرب مع فلان في العرف هو ان يشربا في مجلس واحد اتحد الاناء والشراب أو اختلفا بعد ان ضمهما مجلس واحد يقال شربنا مع فلان وشربنا مع الملك وإن كان الملك يتفرد بالشرب من إناء فان نوى شرابا واحدا ومن إناء واحد يصدق لأنه نوى ما يحتمله لفظه ولو حلف لا يشرب من دجلة أو من الفرات قال أبو حنيفة لا يحنث ما لم يشرب منه كرعا وهو ان يضع فاه عليه فيشرب منه فان أخذ الماء بيده أو باناء لم يحنث وعند أبي يوسف ومحمد يحنث شرب كرعا أو باناء أو اغترف بيده وجه قولهما ان مطلق اللفظ يصرف إلى المتعارف عند أهل اللسان والمتعارف عندهم ان من رفع الماء من الفرات بيده أو بشئ من الأواني انه يسمى شاربا من الفرات فيحمل مطلق الكلام على غلبة المتعارف وإن كان مجازا بعد إن كان متعارفا كما لو حلف لا يأكل من هذه الشجرة أو من هذا القدر انه ينصرف ذلك إلى ما يخرج من الشجرة من الثمر والى ما يطبخ في القدر من الطعام كذلك ههنا ولأبي حنيفة ان مطلق الكلام محمول على الحقيقة وحقيقة الشرب من الفرات هو ان يكرع منه كرعا لان كلمة من ههنا استعملت لابتداء الغاية بلا خلاف لتعذر حملها على التبعيض إذ الفرات اسم للنهر المعروف والنهر اسم لما بين ضفتي الوادي لا للماء الجاري فيه فكانت كلمة من ههنا لابتداء الغاية فتقتضى أن يكون الشرب من هذا المكان ولن يكون شربه منه الا وان يضع فاه عليه فيشرب منه وهو تفسير الكرع كما لو حلف لا يشرب من هذا الكوز ألا ترى انه لو شرب من إناء أخذ فيه الماء من الفرات كان شاربا من ذلك الاناء حقيقة لا من الفرات والماء الواحد لا يشرب من مكانين من كل واحد منهما حقيقة ولهذا لو قال شربت من الاناء لا من الفرات كان مصدقا ولو قال على القلب كان مكذبا فدل ان الشرب من الفرات هو الكرع منه وانه ممكن ومستعمل في الجملة وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوما فقال هل عندكم من ماء بات في شن والا كرعنا ويستعمله كثير في زماننا من أهل الرساتيق على أنه ان لم يكن فعلا مستعملا فذا لا يوجب كون الاسم منقولا عن الحقيقة بعد إن كان الاسم مستعملا فيه تسمية ونطقا كما لو حلف لا يأكل لحما فأكل لحم الخنزير انه يحنث وإن كان لا يؤكل عادة لانطلاق الاسم عليه حقيقة تسمية ونطقا وبهذا تبين ان قلة الحقيقة وجودا لا يسلب اسم الحقيقة عن الحقيقة بخلاف ما إذا حلف لا يأكل من هذه الشجرة أو من هذا القدر لان ههنا كما لا يمكن جعل هذه الكلمة لتبعيض ما دخلت عليه بخروج الشجرة والقدر من أن يكون محلا للاكل لا يمكن جعلها ابتداءين لغاية الاكل لان حقيقة الاكل لا يحصل من المكان بل من اليد لان المأكول مستمسك في نفسه والاكل عبارة عن البلع عن مضغ ولا يتأتى فيه المضغ بنفسه فلم يكن جعلها لابتداء الغاية فاضمر فيه ما يتأتى فيه الاكل وهو الثمرة في الشجرة والمطبوخ في القدر فكان من للتبعيض وههنا أمكن جعلها لابتداء الغاية لأن الماء يشرب من مكان لا محالة لانعدام استمساكه في نفسه إذ الشرب هو البلع من غير مضغ وما يمكن ابتلاعه من غير مضغ لا يكون له في نفسه استمساك فلا بد من حامل له يشرب منه والله عز وجل أعلم ولو شرب من نهر يأخذ من
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الايمان والكلام فيه مطلب في بيان أنواع الايمان 2
2 فصل وأما ركن اليمين فهو الخ 5
3 فصل وأما شرائط ركن اليمين فأنواع 10
4 فصل وأما حكم اليمين فيختلف باختلافه 15
5 فصل في بيان أن اليمين على نية الحالف أو المستحلف 20
6 فصل وأما اليمين بغير الله فهي نوعان 21
7 فصل وأما شرائط الركن فأنواع 26
8 فصل وأما حكم اليمين المعلق الخ 30
9 فصل وأما الحلف على الدخول الخ 36
10 فصل واما الحلف على الخروج فهو الخ 42
11 فصل وأما الحلف على الكلام فهو الخ 47
12 فصل وأما الحلف على الاظهار والاعلان الخ 53
13 فصل وأما الحلف على الأكل والشرب الخ 56
14 فصل واما الحلف على اللبس والكسوة الخ 69
15 فصل واما الحلف على الركوب فهو الخ 71
16 فصل واما الحلف على الجلوس فهو الخ 71
17 فصل وأما الحلف على السكنى والمساكنة فهو الخ 72
18 فصل وأما الحلف على المعرفة فهو الخ 75
19 فصل واما الحلف على أخذ الحق وقبضه الخ. 75
20 فصل وأما الحالف على الهدم فهو الخ 76
21 فصل وأما الحلف على الضرب والقتل فهو الخ 76
22 فصل وأما الحلف على المفارقة والوزن فهو الخ 78
23 فصل وأما الحلف على ما يضاف إلى غير الحالف 78
24 فصل وأما الحالف على ما يخرج من الحالف أو لا يخرج الخ 80
25 فصل وأما الحلف على أمور شرعية الخ 81
26 فصل واما الحلف على أمور متفرقة الخ 87
27 كتاب الطلاق والكلام عليه مطلب في أن صفة الطلاق نوعان سنة وبدعة 88
28 فصل وأما بيان الالفاظ التي يقع بها طلاق السنة فهو نوعين نص ودلالة أما النص الخ 91
29 مطلب وأما الدلالة فنحو أن يقول الخ 92
30 فصل وأما طلاق البدعة فالكلام فيه في ثلاثة مواضع 93
31 فصل وأما حكم الالفاظ التي يقع بها طلاق البدعة 96
32 فصل وأما طلاق البدعة فهو الخ 96
33 فصل وأما قدر الطلاق وعدده فنقول الخ 97
34 فصل وأما بيان ركن الطلاق الخ 98
35 فصل وأما شرائط الركن فأنواع 99
36 فصل في النية في أحد نوعي الطلاق 101
37 فصل وأما الكناية فنوعان النوع الأول منه الخ 105
38 فصل وأما النوع الثاني فهو الخ 109
39 فصل وأما بيان صفة الواقع بها الخ 109
40 فصل وأما الكناية فثلاثة ألفاظ رواجع بلا خلاف 111
41 فصل وأما قوله أمرك بيدك فالكلام فيه الخ 113
42 فصل واما قوله اختاري فالكلام فيه الخ 118
43 فصل وأما قوله أنت طالق إن شئت فهو الخ 121
44 فصل وأما قوله طلقي نفسك فهو عندنا تمليك الخ 122
45 فصل وأما الرسالة فهو أن يبعث الزوج طلاق امرأته الغائبة الخ 126
46 فصل وأما الذي يرجع إلى المرأة فمنها الملك الخ 126
47 فصل وأما حكم الخلع فنقول الخ 151
48 فصل وأما الطلاق على مال فهو في أحكامه كالخلع 152
49 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس الركن الخ 153
50 مطلب وأما أحد نوعي الاستثناء فهو الخ 155
51 مطلب في مسائل نوع من الاستثناء 157
52 فصل وأما الذي يرجع إلى الوقت فهو الخ 161
53 فصل وأما شرائط ركن الايلاء فنوعان 170
54 فصل وأما حكم الايلاء فنقول الخ 175
55 فصل وأما بيان ما يبطل به الايلاء فنوعان 178
56 فصل وأما بيان حكم الطلاق فيختلف الخ 180
57 فصل وأما شرائط جواز الرجعة فمنها الخ 183
58 فصل وأما الطلاق البائن فنوعان الخ 187
59 فصل ومنها أن يكون نكاح الثاني صحيحا 187
60 فصل وأما الذي هو من التوابع فنوعان 190
61 فصل وأما عدة الأشهر فنوعان 192
62 فصل وأما عدة الحمل فهي مدة الحمل 192
63 فصل في بيان مقادير العدة وما تنقضى به 193
64 فصل في بيان ما يعرف به انقضاء العدة 198
65 فصل في بيان انتقال العدة وتغيرها 200
66 فصل وأما تغير العدة فنحو الأمة الخ 201
67 فصل في أحكام العدة 204
68 كتاب الظهار والكلام عليه 229
69 فصل في بيان الذي يرجع إلى المظاهر 232
70 فصل في بيان الذي يرجع إلى المظاهر به. 233
71 فصل وللظهار أحكام 234
72 فصل في بيان ما ينتهى به حكم الظهار أو يبطل 235
73 فصل في بيان كفارة الظهار والكلام عليها 235
74 كتاب اللعان والكلام عليه 237
75 فصل في بيان صفة اللعان 238
76 فصل في بيان سبب وجود اللعان 239
77 فصل في شرائط وجوب اللعان وجوازه 240
78 فصل في بيان ما يظهر به سبب وجوب اللعان 243
79 فصل في بيان ما يسقط به للعان بعد وجوبه 243
80 فصل في بيان حكم اللعان 244
81 فصل في بيان ما يبطل به حكم اللعان 248