الفرات لم يحنث في قولهم جميعا أما عنده فلا يشكل لان هذا النهر ليس بفرات فصار كما لو شرب من آنية وأما عندهما فلأنهما يعتبران العرف والعادة ومن شرب من نهر يأخذ من الفرات لا يعرف شاربا من الفرات لان الشرب من الفرات عندهما هو أخد الماء المفضى إلى الشرب من الفرات ولم يوجد ههنا لأنه أخذ من نهر لا يسمى فراتا ولو حلف لا يشرب من ماء الفرات فشرب من نهر أخذ الماء من الفرات فان شرب منه بالاغتراف بالآنية أو بالاستقاء براوية يحنث بالاجماع وان كرع منه يحنث في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه لا يحنث ووجهه ان النهر لما أخذ الماء من الفرات فقد صار مضافا إليه فانقطعت الإضافة إلى الفرات ووجه ظاهر الرواية انه منع نفسه عن شرب جزء من ماء الفرات لان كلمة من دخلت في الماء صلة للشرب وهو قابل لفعل الشرب فكانت للتجزئة وبالدخول في نهر انشعب من الفرات لا تنقطع إليه النسبة كما لا تنقطع بالاغتراف بالآنية والاستقاء بالراوية ألا ترى ان ماء زمزم ينقل الينا ونتبرك به ونقول شربنا من ماء زمزم ولو حلف لا يشرب من ماء دجلة فهذا وقوله لا أشرب من دجلة سواء لأنه ذكر الشرب من النهر فكان على الاختلاف وروى المعلى عن محمد فيمن حلف لا يشرب من نهر يجرى ذلك النهر إلى دجلة فاخذ من دجلة من ذلك الماء فشربه لم يحنث لأنه قد صار من ماء دجلة لزوال الإضافة إلى النهر الأول بحصوله في دجلة ولو حلف لا يشرب من هذا الجب فهو على الاختلاف حتى لو اغترف من مائه في إناء آخر فشرب لم يحنث حتى يضع فاه على الجب في قول أبي حنيفة وعندهما يحنث ومن مشايخنا من قسم الجواب في الجب فقال إن كان ملا آن فهو على الاختلاف لان الحقيقة مقصورة الوجود وإن كان غير ملآن فاغترف يحنث بالاجماع لعدم تصور الحقيقة فتنصرف يمينه إلى المجاز ولو حلف لا يشرب من هذا الكوز انصرفت يمينه إلى الحقيقة اجماعا لتصور الحقيقة عنده وعندهما للعرف فان نقل الماء من كوز إلى كوز وشرب من الثاني لا يسمى شاربا من الكوز الأول وان حلف لا يشرب من ماء هذا الجب فاغترف منه باناء فشرب حنث بالاجماع لأنه عقد يمينه على ماء ذلك الجب وقد شرب من مائه فان حول ماءه إلى جب آخر فشرب منه فالكلام فيه كالكلام فيمن حلف لا يشرب من ماء الفرات فشرب من نهر يأخذ الماء من الفرات وقد مر ولو قال لا أشرب من ماء هذا الجب فالكلام فيه كالكلام في قوله لا أشرب من ماء دجلة وقد ذكرناه ولو حلف لا يشرب من هذه البئر أو من مائها فاستقى منها وشرب حنث لان الحقيقة غير متصورة الوجود فيصرف إلى المجاز وقالوا فيمن حلف لا يشرب من ماء المطر فمدت الدجلة من المطر فشرب لم يحنث لأنه إذا حصل في الدجلة انقطعت الإضافة إلى المطر فان شرب من ماء واد سال من المطر لم يكن فيه ماء قبل ذلك أو جاء من ماء مطر مستنقع في قاع حنث لأنه لما لم يضف إلى نهر بقيت الإضافة إلى المطر كما كافت ولو حلف لا يشرب من ماء فرات فشرب من ماء دجلة أو نهر آخر أو بئر عذبة يحنث لأنه منع نفسه من شرب ماء عذب إذ الفرات في اللغة عبارة عن العذب قال الله عز وجل وأسقيناكم ماء فراتا ولما أطلق الماء ولم يضفه إلى الفرات فقد جعل الفرات نعتا للماء وقد شرب من الماء المنعوت فيحنث وفي الفصل الأول أضاف الماء إلى الفرات وعرف الفرات بحرف التعريف فيصرف إلى النهر المعروف المسمى بالفرات (وأما) الحلف على الذوق فالذوق هو ايصال المذوق إلى الفم ابتلعه أولا بعد ان وجد طعمه لأنه من أحد الحواس الخمس الموضوعة للعلم بالمذوقات كالسمع والبصر والشم واللمس للعلم بالمسموعات والمبصرات والمشمومات والملموسات والعلم بالطعم يحصل بحصول الذوق في فمه سواء ابتلعه أو مجه فكل أكل فيه ذوق وليس كل ذوق أكلا إذا عرف هذا فنقول إذا حلف لا يذوق طعاما أو شرابا فأدخله في فيه حنث لحصول الذوق لوجود معناه وهو ما ذكرنا فان قال أردت بقوله لا أذوقه لا آكله ولا أشربه دين فيما بينه وبين الله عز وجل ولا يدين في القضاء لأنه قد يراد بالذوق والأكل والشرب يقال في العرف ما ذقت اليوم شيئا وما ذقت الا الماء ويراد به الأكل والشرب فإذا نوى ذلك لا يحنث فيما بينه وبين الله تعالى حتى يأكل أو يشرب لأنه نوى ما يحتمله كلامه ولا يصدق في القضاء لعدو له عن الظاهر قال هشام وسألت محمدا عن رجل حلف
(٦٧)