لان اليوم لا يكون عشرة أيام فلم يكن ذلك مرادا فيقع على عشرة أيام لأنه لا يدور في عشرة أيام أكثر من سبت واحد وكذلك لو قال والله لا أكلمك السبت مرتين كان على سبتين لان السبت لا يكون يومين فكان المراد منه مرتين وكذلك لو قال لا أكلمك يوم السبت ثلاثة أيام كان كلها يوم السبت لما بينا ولو قال لا أكلمك يوما ما أو لا أكلمك يوم السبت يوما فله أن يجعله أي يوم شاء لأنه عقد يمينه على يوم شائع في أيام فكان التعيين إليه ولو قال ابن سماعة عن محمد فيمن قال لا أكلمك يوما بين يومين ولا نية له قال فكل يوم بين يومين وهو عندي بمنزلة قوله لا أكلمك يوما فيكون على يوم من ساعة حلف والله عز وجل أعلم (وأما) المبهم فنحو ان يحلف ان لا يكلم فلانا زمنا أو حينا أو الزمان أو الحين فإن لم يكن له نية يقع على ستة أشهر لان الحين يذكر ويراد به الوقت القصير قال الله تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون قيل حين تمسون صلاة المغرب والعشاء وحين تصبحون صلاة الفجر ويذكر ويراد به الوقت الطويل قال الله تعالى هل أتى على الانسان حين من الدهر قيل المراد منه أربعون سنة ويذكر ويراد به الوسط قال الله تعالى تؤتى أكلها حين باذن ربها قيل أي ستة أشهر من وقت طلوعها إلى وقت ادراكها قال ابن عباس رضي الله عنهما هي النخلة ثم عند الاطلاق لا يحمل على الوقت القصير لان اليمين تعقد للمنع ولا حاجة إلى اليمين للمنع في مثل هذه المدة لأنه يمنع بدون اليمين ولا يحمل على الطويل لأنه يراد ذلك عادة ومن أراد ذلك بلفظة الأبد فتعين الوسط وكذا روى عن ابن عباس رضي الله عنهما انه حمله على ذلك ولان كل واحد من الطرفين في غاية البعد عن صاحبه والوسط قريب منهما فيحمل عليه وإذا ثبت هذا في الحين ثبت في الزمان لكونهما من الأسماء المترادفة وعن ثعلب ان الزمان في كلام العرب ستة أشهر وان نوى الحالف شيئا مما ذكرنا فهو على ما نوى لأنه نوى ما يحتمله كلامه ولفظه لما بينا ومنهم من قال يصدق في الوقت اليسير في الحين ولا يصدق في الزمان لأنه قد ثبت استعمال اللفظ في اليسير في الحين كما في قوله تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ولم يثبت في الزمان وذكر الكرخي في الجامع عن أبي حنيفة انه يدين في الزمان والحين في كل ما نوى من قليل أو كثير وهو الصحيح وروى عن أبي يوسف أنه لا يدين فيما دون ستة أشهر في القضاء ولو قال لا أكلمه دهرا أو الدهر فقال أبو حنيفة إن كانت له نية فهو على ما نوى وان لم تكن له نية فلا أدرى ما الدهر وقال أبو يوسف ومحمد إذا قال دهرا فهو ستة أشهر وإذا قال الدهر فهو على الأبد ومن مشايخنا من قال لا خلاف في الدهر المعروف انه الأبد وإنما توقف أبو حنيفة رضي الله عنه في الدهر المنكر فإنه قال إذا قال دهرا لا أدري ما هو وذكر في الجامع الكبير أن قوله الدهر ينصرف إلى جميع العمر ولم يذكر فيه الخلاف وقوله دهرا لا يدرى تفسيره وفي الجامع الصغير أشار إلى التوقف في الدهر المعرف أيضا فإنه قال والدهر لا أدرى ما هو وروى بشر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في قوله دهرا والدهر انهما سواء فهما جعلا قوله دهرا كالحين والزمان لأنه يستعمل استعمال الحين والزمان يقال ما رأيتك من دهر وما رأيتك من حين على السواء فإذا أدخل عليه الألف واللام صار عبارة عن جميع الزمان وروى عن أبي يوسف أن قوله الدهر يقع على ستة أشهر لكنه خلاف ظاهر الرواية عنهما وأبو حنيفة كأنه رأى الاستعمال مختلفا فلم يعرف مراد المتكلم عند اطلاق الاسم فتوقف وقال لا أدرى أي لا أدرى بماذا يقدر إذ لا نص فيه عن أحد من أرباب اللسان بخلاف الحين والزمان فان فيهما نصا عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنه فسر قوله تعالى تؤتى أكلها كل حين باذن بها بستة أشهر والزمان والحين ينبئان عن معنى واحد وهذا على قول من قال من مشايخنا انه توقف في المنكر لا في المعرف أو لم يعرف حقيقة معناه لغة فتوقف فيه والتوقف فيما لا يعرف لعدم دليل المعرفة ولتعارض الأدلة وانعدام ترجيح البعض على البعض امارة كمال العلم وتمام الورع فقد روى أن ابن عمر رضي الله عنهما سئل عن شئ فقال لا أدرى وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل البقاع فقال لا أدرى فلما نزل جبريل عليه الصلاة والسلام سأله فعرج إلى السماء ثم هبط فقال سألت ربي عز وجل عن أفضل البقاع فقال المساجد وأفضل أهلها من جاءها أولا وانصرف آخرا وشر أهلها من جاءها آخرا
(٥٠)