في ذلك، فمنهم من قال: لا يرجع عليه بشئ; ولم يذكر ابن الصباغ غيره. لأنه منكر لما شهدت له البينة، مقر أن المدعى ظالم له فلا يرجع على عين من ظلمه، ومن قال بهذا تأول ما نقله المزني أربع تأويلات.
(أحدها) يحتمل أن يكون الحاضر صدق المدعى فيما ادعى غير أن المدعى قال: وأنا أقيم البينة أيضا فأقامها، فيرجع ههنا، لأنه ليس فيه تكذيب البينة.
(الثاني) أن يكون الحاضر لم يقر ولم ينكر، بل سكت، فأقام المدعى البينة فليس فيه تكذيب.
(الثالث) أن يكون الحاضر أنكر شراء نفسه، ولم يعرض لشراء شريكه.
فقامت عليه البينة.
(الرابع) أن يكون الحاضر أنكر شراءه وشراء شريكه وضمانهما إلا أن الحاضر لما قامت البينة وأخذ من المدعى الألف ظلما ثبت على الغائب خمسمائة بالبينة، وقد أخذ المدعى من الحاضر خمسمائة ظلما فيكون للحاضر أن يأخذ ما ثبت للمدعى على الغائب.
ومن أصحابنا من وافق المزني وقال: يرجع الحاضر على الغائب بخمسمائة وإن أنكر الشراء والضمان لأنه يقول: كان عندي إشكال في ذلك، وقد كشفت هذه البينة هذا الاشكال وأزالته، فهو كمن اشترى شيئا وادعاه عليه آخر بأنه له وأنكر المشترى ذلك، وأقام المدعى بينه وانتزع منه. فان له أن يرجع على البائع بالثمن، ولا يقال: إن باقراره أن المدعى ظالم يسقط حقه من الرجوع.
وقال الشيخ أبو حامد في التعليق ينظر في الحاضر فان تقدم منه تكذيب البينة مثل أن قال من يبيع منك شيئا ولا يستحق علينا شيئا. ثم قامت البينة بذلك فإنه لا يرجع على صاحبه بشئ لأنه قد كذب البينة بما شهدت وأن هذا المدعى ظالم قيل له. فان قدم الغائب واعترف بصدق المدعى وقال: لا يرجع عليه بشئ لأنه يقر له بما لا يدعيه. وان لم يتقدم منه تكذيب البينة مثل أن قال. مالك عندي شئ. فإنه يرجع على صاحبه بخمسمائة لأنه ضمن عنه باذنه ودفع عنه (قلت) ولعل صاحب الوجه الأول لا يخالف تفصيل الشيخ أبى حامد في جواب الحاضر وأن الحكم يختلف باختلاف جوابه كما ذكر والله الموفق والمعين.