(فرع) مضى كلامنا في الخيار للشفيع بين الاخذ والترك والمدة التي يجوز له فيها الرد، ونزيد البحث فنقول:
إذا قيل بأن حق الشفعة مقدر بثلاثة أيام بعد المكنة فوجهه أن الشفعة موضوعه لارتفاق الشفيع بها في التماس الحظ لنفسه في الاخذ والترك والاختيار والمشترى في حسن المشاركة ليقر أو في سوء المشاركة ليصرف. وقلنا إنه لو روعي فيه الفور ضاق على الشفيع، ولو جعل على التأبيد أضر بالمشترى فاحتاج إلى مدة يتوصل بها الشفيع إلى إتمام حظه ولا يستضر المشترى بتأخيره فكان أولى الأمور تقديرها بثلاثة أيام لامرين:
أحدهما: أن الثلاث حد في الشرع لمدة الخيار. والثاني أنها أقصى حد القلة وأدنى حد الكثرة. ألا ترى أن الله تعالى قد قضى بهلاك قوم أنظرهم بعده ثلاثا، فقال: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا، فعلى هذا لو حصل في خلال الثلاثة الأيام زمان يتعذر فيه المطالبة لم يحتسب به منها، ولقوله من زمان الملكة ثلاثة أيام يتمكن جميعها من المطالبة، فإذا قيل بأن حق الشفعة على التراخي فوجهه قوله صلى الله عليه وسلم " فإن باع فشريكه أحق به حتى يؤديه " فكان على عموم الأوقات، ولان ما ملك من الحقوق لا يبطل بالتأخير كالديون ولان تأخير الشفعة أرفق بالمشترى في حصول المنفعة وتملك الأجرة، فعلى هذا الذي يسقط حقه من الشفعة ثلاثة أقاويل.
(أحدها) العفو الصريح دون غيره من التعويض، وليس للقاضي أن يقطع خياره إذا رفع إليه، لان الحاكم لا يملك إسقاط الحقوق وكالديون.
والثاني: أن شفعته تسقط بأحد أمرين: إما بالعفو الصريح أو بما يدل عليه من التعريض على ما ذكرنا.
والقول الثالث: أن شفعته تسقط بأحد ثلاثة. أحدها العفو الصريح أو بما يدل عليه من التعريض أو بأن يتحاكم المشترى إلى القاضي فيلزمه الاخذ أو الترك فإن أخذ وإلا حكم عليه بإبطال الشفعة، لان القاضي مندوب إلى فصل الخصومات