وأما الاجماع فأجمع علماء كل عصر على جواز الابداع والاستيداع والضرورة تقتضيها وبالناس إليها حاجة فإنه يتعذر على جميعهم حفظ أموالهم بأنفسهم ويحتاجون إلى من يحفظ لهم، واشتقاق الوديعة من السكون يقال ودع وديعة فكأنها ساكنة عند المودع مستقرة، أو هي مشتقه من الخفض والدعة فكأنها في دعة عند المودع وقبولها مستحب لمن يعلم من نفسه الأمانة، لان فيها قضاء حاجة أخيه المؤمن ومعاونته والله تعالى أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى يستحب لمن قدر على حفظ الوديعة وأداء الأمانة فيها أن يقبلها لقوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى " ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه فإن لم يكن من يصلح لذلك غيره وخاف ان لم يقبل أن تهلك تعين عليه قبولها، لان حرمة المال كحرمة النفس، والدليل عليه ما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " حومة مال المؤمن كحرمة دمه " ولو خاف على دمه لوجب عليه حفظه، فكذلك إذا خاف على ماله وإن كان عاجزا عن حفظها أو لا يأمن أن يخون فيها لم يجز له قبولها، لأنه يغرر بها ويعرضها للهلاك، فلم يجز له أخذها.
(الشرح) حديث أبي هريرة رواه البخاري، ومسلم عن ابن عمر، وروى بعضه ابن ماجة واسناده صحيح ورواه الترمذي يلفظ " المسلم أخو السلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه، التقوى ههنا، بحسب امرئ من الشر ان يحقر أخاه المسلم " قال الترمذي: حديث حسن أما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: فقد رواه أبو نعيم في الحلية. قال في الجامع الصغير: وهو غريب ضعيف، وقد وردت أحاديث كثيرة بمعناه أظهرها ما جاء في خطبة الوداع " ان الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة