كذلك في فعل ما وكل فيه لا في غيره، ألا ترى أنه لا يجوز أن يهب ولا يبرئ وإن كان للموكل أن يهب ويبرئ لأنه لم يأذن له فيه، فكذلك في التوكيل.
وأما الجواب عن قولهم بأن الغرض حصول العمل فهو كذلك لكن قد خصه به وارتضى أمانته، كمن استأجر أجيرا بعينه لعمل لم يكن له أن يستأجر غيره في عمله، لان قصد المستأجر إنما هو حصول العمل من جهة الأجير وفعله لا بفعل غيره. كذلك ها هنا.
قلت: ولكلام المصنف هنا دلالته على ما يترتب على مخالفة الاذن ومجاوزته من أحكام، فمثلا إذا أذن الموكل للوكيل بالبيع في زمان فباع قبله فترتب على بيعه قبله نقص ثمنه عن مثله في الزمن المحدد لنقص في السن أو الوزن أو الصفة كان ذلك من ضمان الوكيل. وكذلك إذا باعه بعد الزمان الذي أذن له فيه فترتب على ذلك ما ذكرنا كان من ضمانه.
وكذلك إذا أذن له في مكان لمصلحة يراها الموكل لكثرة الطالبين للسلعة في ذلك المكان أو لكثرة الثمن أو جودة النقد فلا يملك الوكيل مخالفة مضمون الاذن، فإذا كان الثمن في كل هذه الأحوال التي خالف فيها متفقا مع الزمن المطلوب أو المكان المطلوب بحيث لا يفوت الموكل شئ من الفائدة فهل يجوز للوكيل مخالفة الاذن؟ فيه وجهان (أحدهما) يجوز له ذلك، لان المقصود فيها واحد (والثاني) لا يجوز، لان الموكل أعرف بما هو الاحظ له وعلى الوكيل الامتثال لأمر الموكل قال الماوردي في الحاوي: أن يكون الشرط الذي شرطه الموكل في بيع وكيله يصح معه العقد ولا يبطل به البيع، فعلى الوكيل أن يعقد البيع على الشرط المأذون فيه ولا يتجاوزه الا أن يكون الشرط بالمجاوزة موجودا مع زيادة فصح البيع حينئذ على ما سنشرحه ولا تكون الزيادة مانعة من صحته. فأما اذنه في بيعه على رجل بعينه فلازم ولا يجوز للوكيل أن يعدل إلى بيعه على غيره لأنه المقصود بالتمليك فلم يصح عدول الوكيل عنه كالهبة، فعلى هذا لو مات ذلك الرجل بطلت الوكالة بالبيع. ولم يجز للوكيل أن يبيعه على وارثه ولا على غير وارثه.