أو قامت عليه البينة ضمن - أي انتقل من حال الأمين إلى حال الضامن - لأنه خرج بالجحود من الأمانة، وهذا صحيح، وصورة ذلك في رجل ادعى على رجل أنه وكله ببيع متاعه وأقبضه إياه فأنكر المدعى عليه الوكالة وقبض المتاع فالقول قوله مع يمينه لأنه منكر، فإن أقام المدعى بينة بالوكالة وقبض المتاع صار ضامنا وخرج بالجحود عن الأمانة فصار كجاحد الوديعة، فلو ادعى بعد قيام البينة عليه تلفها أو ردها على مالكها لم تقبل دعواه، لأنه ضمن مالا يقبل قوله في ادعاء البراءة منه، ولأنه صار بالانكار الأول مكذبا لهذه الدعوى منه، وهكذا لو عاد بعد إنكاره فأقر بقبض المتاع فادعى تلفه أو رده لم يقبل منه، وكان ضامنا له كقيام البينة عليه بقبضه.
فلو أقام البينة برده على موكله أو بتلف ذلك في يده قبل جحوده ففيه وجهان أحدهما وهو قول أبي علي بن أبي هريرة: إنها بينة مردودة، لأنه قد أكذبها بسابق إنكاره.
والوجه الثاني وهو قول أبى القاسم الصيمري، وحكاه أبو حامد الأسفراييني إن بينته مقبولة، يقدم ما شهدت به على الجحود الموجب للضمان. قال الماوردي والوجه الأول أصح.
(فرع) قال المزني: ولو قال: وكلتك في بيع متاعي فبعته، وقال: مالك عندي شئ، فأقام عليه البينة فقال: صدق أو قد دفعت إلى أهله ثمنه فهو مصدق لان من دفع شيئا إلى أهله فليس هو عنده، ولم يكذب نفسه فهو على أصل أمانته وتصديقه. وهذا صحيح، إذا ادعى أنه وكله في متاع أقبضه إياه ليبيعه فقال الوكيل: مالك عندي شئ أو ليس لك في يدي حق فهذا جواب مقنع في الدعوى والقول فيه قوله مع يمينه، لأنه منكر. وكل من ادعى عليه مال في يديه وذكر المدعى سبب استحقاقه كالوديعة والغصب فالمدعى عليه إذا كان منكرا له أن يجيب بأحد جوابين، إما أن يقول: ما أخذت منك هذه الوديعة، ولا غصبتك هذا المال، وإما أن يقول: مالك قبلي حق، فكلا الجوابين مقنع في إنكار الدعوى وعليه اليمين.
وصفة إحلافه وتحليفه بحسب اختلاف الجواب، فإن كان جوابه مطلقا