والمذهب الثاني، وهو قول زفر بن الهذيل: أنه لا يجوز لجميعهم أن يبيعوا على أنفسهم ولا أن يشتروا من أنفسهم والمذهب الثالث، وهو قول أبي حنيفة: أنه يجوز ذلك لجميعهم إلا الوكيل وحده. والمذهب الرابع، وهو مذهب الشافعي: أنه لا يجوز ذلك لجميعهم إلا الأب وحده والجد مثله واستدل من ذهب إلى جوازه لجميعهم بأن المقصود في البيع حصول الثمن وفى الشراء حصول المشترى. ولذلك لم يلزم ذكر من له البيع والشراء بخلاف النكاح، فلم يقع الفرق بين حصول الثمن من النائب وغيره لحصول المقصود في الحالين، وقياسا على الأب أن كل من جاز له بيعه على نفسه كالأب واستدل من منع جوازه لجميعهم بأن الانسان مجبول على تغليب حظ نفسه على حظ غيره، والنائب مندوب إلى طلب الحظ المستبين فإن باع نفسه انصرف بجبلة الطبع إلى حظ نفسه، فصار المقصود بالنيابة معدوما فلم يجز، وقياسا على الوكيل لأنه نائب في العقد عن غيره فلم يجز أن يعقد مع نفسه واستدل من منع منه للوكيل وحده، وأجاز لمن سواه بأن نيابة الوكيل غير جائز الامر فكان مأذونا له من غير ولاية فصار أنقص حالا من ذي الولاية.
فجاز للولي مبايعة نفسه لقوة سببه كالأب، ولم يجز لغير ذي الولاية كالوكيل مبايعة نفسه لضعف سببه كالأجنبي ودليلنا أن غير الأب لا يجوز له مبايعة نفسه، ما روى أن رجلا أوصى إلى رجل بوصية فأراد الوصي بيع فرس من التركة على نفسه، فسأل عبد الله بن مسعود عن جوازه فقال لا. وليس نعرف له مخالفا في الصحابة ولا جبلة الطبع تصرفه عن حظ غيره إلى حظ نفسه، ولان كل من كانت ولايته لغيره لم يكن له مبايعة نفسه كالوكيل ودليلنا على أن الأب يجوز له مبايعة نفسه هو أن الأب مجبول بحيوية الأبوة وشدة الميل والمحبة على طلب الحظ لولده والايثار على نفسه والاستكثار لولده ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: الولد مجبنة مبخلة مجهلة، فانتفت التهمة عنه في مبايعة نفسه. وهذا المعنى مفقود فيمن عداه، فصار هذا الحكم لاختصاصه