والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحق والصدق والرفق، وقولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم فيما فعلت، وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفئت النيران، واعتدل بك الدين، وقوي بك الاسلام فظهر أمر الله ولو كره الكافرون، وثبت بك الاسلام والمؤمنون، وسبقت سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك تعبا شديدا، فجللت عن البكاء، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه وسلمنا لله أمره، فوالله لن يصاب المسلمون بمثلك أبدا.
كنت للمؤمنين كهفا وحصنا، وقنة راسيا، وعلى الكافرين غلظة وغيظا، فألحقك الله بنبيه، ولا حرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك.
وسكت القوم حتى انقضى كلامه، وبكى وبكى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم طلبوه فلم يصادفوه (1).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما قبض أمير المؤمنين قام الحسن بن علي (عليهما السلام) في مسجد الكوفة، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال:
أيها الناس إنه قد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، إنه كان لصاحب راية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن يمينه جبرئيل، وعن يساره ميكائيل، لا ينثني حتى يفتح الله له، والله ما ترك بيضاء ولا حمراء إلا سبع مئة درهم فضلت عن عطائه، أراد أن يشتري بها خادما لأهله، والله لقد قبض في الليلة التي فيها قبض وصي موسى يوشع بن نون، والليلة التي عرج فيها بعيسى بن