مريم، والليلة التي نزل فيها القرآن (1).
عبادته (عليه السلام) كان (عليه السلام) أعبد أهل زمانه، وقد دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية، فقال له: صف لي عليا، فقال: أوتعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا أعفيك، قال:
أما إذا لا بد، فإنه كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.
فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يميل في محرابه قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن، وهو يقول: يا ربنا، يا ربنا، يتضرع إليه، ثم يقول للدنيا:
إلي تغررت، إلي تشوقت؟! هيهات! هيهات! غري غيري، قد أبنتك ثلاثا، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه آه! من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه، وقد اختنق