لا ريب في أن الأرض مملوكة لمالكها الشرعي، ويتبعها في ذلك نماؤها وجميع ما يحصل منها من فائدة ومنفعة، فلا يحق للزارع أن يتصرف في الأرض إلا بإذن مالكها، ولا يستحق من نمائها وفوائدها شيئا إلا بتمليكه، ولا ريب كذلك في أن عمل العامل الحر ملك خاص له، ولا سلطان لأحد غيره على عمله، ولا على شئ من نتاجه وفوائده إلا بتمليكه.
ومن أجل ذلك كانت المزارعة عقدا لا يتم إلا بايجاب وقبول من المتعاملين ومن أجل ذلك صح أن يقع الايجاب فيها من مالك الأرض ومن الزارع، ويكون القبول من الطرف الثاني منهما، فإذا قال مالك الأرض للزارع: سلمت إليك أرضي المعلومة لتزرعها حنطة ويكون لك النصف أو الثلث مما تنتجه الأرض من حاصل هذه الزراعة، ويكون لي الباقي من حاصلها، أو قال له: زارعتك على أن تزرع أرضي حنطة ويكون حاصل زراعة الأرض بيننا على النهج المذكور، كان مالك الأرض هو الموجب في المعاملة، ولا يتم العقد ولا ينفذ إلا بقبول الزارع بعد أن يتم الايجاب، ويجوز أن يقدم القبول قبل الايجاب، فيقول الزارع لمالك الأرض وقبل ايجابه: رضيت بالمزارعة التي تنشئها على الشروط التي اتفقنا عليها ما بيننا ويصح العقد منهما على كلا الوجهين.
وإذا ابتدأ الزارع بالايجاب فقال لمالك الأرض: استلمت منك أرضك المعلومة لأزرعها وتكون الحصص بيني وبينك بالمناصفة مثلا في نتاج الزراعة، أو على النهج المعين الذي اتفقنا عليه فيكون الزارع هو الموجب، ولا يتم العقد ولا ينفذ إلا بقبول المالك بعد هذا الايجاب، ويصح للمالك أن يوقع القبول سابقا على الايجاب، فيقول للزارع قبل ايجابه رضيت بمزارعتك التي تنشئها، على