بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ فقال: نعم، وشر من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ فقيل له: يا رسول الله ويكون ذلك؟
فقال: نعم، وشر من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا، والمنكر معروفا؟).
والفارق الكبير بين هذه الذنوب وغيرها: إن هذه الذنوب جرائم اجتماعية عامة توجب فساد المجتمع من أصله وفساد قيمه وركائزه وانحلال أصوله العامة المشتركة، ولذلك فلا تختص آثارها وسوؤها بفرد خاص من أفراده، ويكون المقت والعقاب عليها عاما للعامل وغير العامل إذا هو أغضى وتسامح في الأمر، أو سكت عن الإنكار، بل وللكبير والصغير، والذنوب الأخرى إنما هي مخالفات شخصية فتختص آثارها وعقابها بالعامل نفسه ولا تعم غيره من الناس، وقد أشارت الأحاديث المتقدمة إلى ذلك، بل صرحت به تصريحا تاما، ولذلك فيجب التنبه كل التنبه ويجب الحذر كل الحذر، وفي الحديث: (كان يقال لا يحل لعين مؤمنة ترى الله يعصى فتطرف حتى تغيره).
[المسألة الثالثة:] المراد بالمعروف هنا ما كان معروفا على سبيل الوجوب في شريعة الإسلام، فيكون الأمر به واجبا عند اجتماع الشرائط الآتي ذكرها، ويقابله ما كان معروفا في الشريعة على سبيل الاستحباب، فيكون الأمر به مستحبا، وسيأتي تفصيل القول فيه، ويقابله أيضا ما كان معروفا يحكم العقل بحسنه ورجحان الاتيان به وإن كان مباحا في الشريعة يجوز فعله وتركه، فيكون الأمر به حسنا.
والمراد بالمنكر ما كان منكرا يحرم الاتيان به في الشريعة سواء كان من المحرمات الكبيرة أم الصغيرة في حكم الإسلام، ويقابله ما كان مرجوحا يكره فعله في الشريعة، وإن لم يكن محرما كبيرا ولا صغيرا.
[المسألة الرابعة:] يجب الأمر بالمعروف إذا كان من القسم الأول الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة، وهو ما يجب الاتيان به في حكم الشرع، ويجب النهي عن المنكر إذا كان مما يحرم فعله في حكم الشرع، ووجوب الأمر والنهي فيهما على وجه الكفاية، فهما فرضان واجبان على كل مكلف يعلم بوجوب الشئ على الشخص الذي يراد أمره وأنه يترك ما وجب عليه، ويعلم بحرمة الشئ الآخر على الفرد