مما يأتي عن قريب لبيان تحليل الأراضي في عصر الغيبة. وقد مر البحث في حكم الأراضي المفتوحة عنوة مستوفى في الجهة السادسة من فصل الغنائم، فراجع.
وأما التفسير الثاني للمساكن، أعني المتخذة في الأراضي المختصة بالإمام فقد عرفت أن حلية التصرف إجمالا في مثل الأراضي والجبال وما فيهما ويتبعهما في عصر الغيبة كأنها واضحة مفروغ عنها ولا يظن بأحد إنكارها، ولا تختص بالمساكن بل تعم مطلق ما يحتاج إليها من أرض الزراعة والاستطراق والمساجد والمقابر ومراكز التجارة والصناعة وغيرها مما يحتاج إليها في المعاش والمعاد.
فإن كانت هنا حكومة عادلة واجدة للشرائط تنظم طرق الاستفادة منها وكيفياتها فالظاهر أن الحلية ثابتة في إطار مقرراتها كما مر وجهه، وإلا فلابد من تحقق الحلية والإباحة بمقدار الضرورة والاحتياج قطعا فإن الأرض وما فيها أموال عامة خلقت لرفع حاجات الأنام ولا يمكن إدامة الحياة بدونها، فتخصيص التحليل بالمساكن بلا وجه إلا أن يراد بها المعنى الأعم فيراد بها كل أرض يحتاج إليها الإنسان في معاشه ومعاده.
ويدل على التحليل فيها - مضافا إلى ما مر من استقرار السيرة على التصرف فيها حتى في أعصار الأئمة (عليهم السلام) ولزوم الحرج بل اختلال النظام بدونها والأخبار الكثيرة الواردة من طرق الفريقين في الترغيب في إحياء الموات وأن من أحياها فهي له كما يأتي تفصيله في المسائل الآتية - أخبار مستفيضة ذكروها هنا:
1 - ما رواه الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد، قال: رأيت مسمعا بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) تلك السنة مالا فرده أبو عبد الله (عليه السلام) فقلت له: لم رد عليك أبو عبد الله المال الذي حملته إليه؟ قال: فقال لي: إني قلت له حين حملت إليه المال: إني كنت وليت البحرين الغوص فأصبحت أربعمأة ألف درهم وقد جئتك بخمسها بثمانين ألف درهم وكرهت أن أحبسها عنك وأن أعرض لها وهي حقك الذي جعله الله - تبارك وتعالى - في أموالنا. فقال أو مالنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس؟