والحاصل: أن (الصغر) في مقابل (الكبر)، لا في مقابل (العزة) حتى يكون معناه (الذلة).
ويؤيد ما ذكرنا، استعمال لفظ (الصغار) في بعض الآيات خاليا عن معنى الذلة والخفة، فهذه قوله - تعالى - في قضية سليمان عليه السلام ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون (1) حيث فكك بين الذلة والصغار، وهي قرينة على عدم كون الذلة مأخوذة في معنى الصغار، وأن يتقارنا أحيانا، كما في مورد هذه الآية.
ولعله لما ذكرنا قال العلامة الطباطبائي قدس سره ما حاصله:
يكون المراد بصغارهم، خضوعهم للسنة الإسلامية، والحكومة الدينية العادلة في المجتمع الإسلامي، بأن لا يكافئوا المسلمين ولا يبارزوهم بشخصية مستقلة حرة في بث ما تهواه أنفسهم من العقائد والأعمال المفسدة للمجتمع الانساني، فظاهر الآية أن هذا هو المراد من صغارهم لا اهانتهم والسخرية بهم من جانب المسلمين، أو أولياء الحكومة الدينية، فإن هذا مما لا يحتمله السكينة والوقار الإسلامي، وإن ذكره بعض المفسرين (2).
فالحاصل أن المراد من الصغار، ليس اذلال أهل الذمة واهانتهم، وايذائهم عند جباية الجزية، بل المقصود منه إما التزامهم بجريان أحكام الإسلام عليهم أو ذلك مع التزام الجزية على ما يحكم الإمام من غير أن تكون مقدرة، أو ما أشبه ذلك مما تؤيده سيرة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ويناسبه الوقار الإسلامي.
هذا تمام الكلام في تفسير آية الجزية، وللمفسرين تفصيلات أخرى حول الآية، تركناها حذرا من التطويل.