أهون منها دلالة الرواية الثانية، فإن مفادها فضول دم الحيض عن غذاء الولد وقذفه في زمان الحمل، فلا ربط له بما نحن فيه. كما أن ما دل على لزوم قعود النساء بمقدار أيام العادة لا تدل على كون دم النفاس عين دم الحيض، لو لم يدل على خلافه بأن يقال: إنه لو كان دم الحيض كان عليهما القعود أيام العادة لا بعد رؤية الدم بمقدارها كما هو مفاد الروايات، تأمل.
وبمنع الكبرى ثانيا، بدعوى أنه بعد تسليم كون النفاس حيضا محتبسا لكن لا دليل على أن الطهر بين الحيضين مطلقا لا يكون أقل من عشرة أيام، بل المتيقن من الروايتين بالبيان المتقدم أن الطهر الذي يكون منشأ لاختزان الدم واجتماعه لا يكون أقل، وعدم أقليته لأجل كون ذلك المقدار من الزمان صالحا لجمعه و اختزانه، وأما إذا كان الاختزان بسبب آخر فلا، فتدبر.
وأما قضية أن النفساء كالحائض في جميع الأحكام، فإن استدل عليه بصحيحة زرارة " قال: قلت له: النفساء متى تصلي؟ - إلى أن قال - قلت: والحائض؟ قال:
مثل ذلك سواء، فإن انقطع عنها الدم فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء " (1) ففيه أنها بصدد بيان كون الحائض كالنفساء في الحكم المذكور فيها لا في جميع الأحكام.
وإن استدل عليه بالاجماع أو بعدم الخلاف فنفس هذه المسألة خلافية، وقد مر حال دعوى الخلاف نفي الخلاف فيها. مضافا إلى احتمال استفادة المجمعين من الأدلة التسوية، وهي غير تامة الدلالة عندنا.
وأما الاستدلال على المسألة بإطلاق موثقة عمار ورواية رزيق ففيه ما لا يخفى فإن في موثقة عمار الأولى قد فرع رؤية الصفرة أو الدم على الطلق فقال: " فرأت صفرة أو دما " ويظهر منه أن رؤيتهما من حصول الطلق، بل يمكن أن يقال: إن رؤية الدم بعد الطلق أمارة عقلائية على كونها منه لا من شئ آخر، ولهذا قال في رواية الخلقاني بعد قوله " ما الفرق بين دم الحامل ودم المخاض؟ ": " إن الحامل قذفت بدم الحيض وهذه قذفت بدم المخاض " مع عدم دليل على كونه منه إلا رؤيتها بعده،