الدورة الأولى فلا دليل على تبعية سائر الدورات لها، وما دل على أن المستحاضة تجعل حيضها قبل طهرها على فرض ارتباطه بالمقام إنما يدل على التقديم في الدورة الأولى من غير تعرض له لسائر الدورات كما يأتي الكلام فيه.
وأما الاستدلال على وجوب الجعل في أول الدورة الأولى وعلى نسقه في سائر الدورات بدوران الأمر بين التعيين والتخيير والأصل فيه الاشتغال، ففيه أنه على فرض الدوران بينهما فالاشتغال في مثل هذا الدوران غير مسلم، بل المسلم في الاشتغال هو في مورد يعلم بتعلق تكليف بمعين ويشك في أن له طرفا يسقط التكليف بإتيانه أولا، وأما إذا كان الدوران من أول الأمر فلا، والمسألة تحتاج إلى زيادة بحث و تحقيق لا يسعها المجال.
وقد يقال بلزوم التحيض في أول الدورة لظهور بعض الأخبار في وجوب عمل المستحاضة بعد التحيض بمقدار العادة والاستظهار، وفي مقابله احتمال إطلاق بعض الأدلة على أخذ المستحاضة مقدار عادتها، ومقتضى الاطلاق تخييرها في وضعه حيث شاءت وكما أنها بإطلاقها تنفي تعين التحيص في أول الدورة الأولى وعلى نسقه في سائر الدورات كذلك تنفي تعين جعل العدد في الوقت المظنون، فإن تعينه إنما يكون في ما إذا كان الحاكم بالتخيير العقل، بأن يقال: إنما يحكم العقل بالتخيير مع تساوي الأزمنة، وأما مع ترجيح بعضها ولو ظنا يرتفع موضوع حكمه، وأما إذا استفيد حكم التخيير من إطلاق الدليل فلا يبقى للترجيح بالظن مجال.
ولا بأس بذكر بعض الروايات التي يمكن دعوى إطلاقها أو دلالتها على التعيين حتى يتضح الحال.
فمنها رواية محمد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الطامث وقدر جلوسها، فقال: تنتظر عدة ما كانت تحيض، ثم تستظهر بثلاثة أيام، ثم هي مستحاضة. (1) بدعوى أن المراد من الطامث وقدر جلوسها هي من استمر بها الدم ولو بقرينة الجواب، وإطلاقها يقتضي كونها مخيرة في وضع عدة أيام