والناظر في مثل المرسلة لا ينبغي أن يشك في أن التعبيرات التي فيها تعبدية خارجة عن فهم العرف وأهل اللغة، كقوله " إنما هو عزف " بالزاي المعجمة والفاء على ما في أكثر النسخ كما قال المجلسي، أو قوله " عزف عامر " أو " ركضة من الشيطان " قال في الوافي بعد نقله عن نهاية ابن الأثير أن العزف بمعنى اللعب بالمعازف أي الدفوف وغيرها: أقول: كأن المراد أنه لعب الشيطان بها في عبادتها، كما يدل عليه قول الباقر عليه السلام " عزف عامر " فإن " عامر " اسم الشيطان (انتهى). نعم في بعض النسخ بدل " عزف " إنما هو عرق، وبدل قوله " عزف عامر " عرق غامد، وعن بعض روايات العامة " عرق عائد " وكيف كان فلا يمكن لنا استفادة موضوع الاستحاضة من اللغة بحيث يخرج عن الابهام. وما ذكره الجوهري مع إمكان أخذه من الروايات ومخالفته لمقتضى الاشتقاق لا يمكن الركون إليه والوثوق به. والأخبار الواردة في الاستحاضة وإن وردت غالبا في من استمر بها الدم بعد العادة إلا أنها ليست على وجه يستفاد منها انحصار الاستحاضة بالدم المستمر بعد العادة وإن كان بعضها لا يخلو من إشعار بذلك، وسيأتي دلالة بعضها على كونها أعم من ذلك.
وليس للاستحاضة معنى عرفي لدى العرف العام يمكن تطبيقه على الحدود التي وردت لها في الشرع، بل لا يرى العرف الاستحاضة والحيض دمين، بل قد يرى دم الحيض قليلا محدودا وقد يراه كثيرا مستمرا، ويقال: صارت فلانة دائمة الحيض، كما هو ظاهر الاشتقاق على وجه. وفي مرسلة يونس أن حمنة بنت جحش قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله: إني استحضت حيضة شديدة، وفيها أيضا أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلى الله عليه وآله فقالت: إني أستحاض فلا أطهر، فقال النبي صلى الله عليه وآله:
ليس ذلك بحيض، إنما هو عزف. فأرادت بقوله " إني أستحاض فلا أطهر " صرت حائضا حيضا دائما، ولذا نفى حيضيته وقال إنه عزف، أي لعب الشيطان كما مر.
نعم هنا كلام قد مر في أول بحث الحيض، ومجمله أن الحيض هو الدم الطبيعي المقذوف من أرحام النساء، ولما كانت الأرحام السليمة عن الآفات والصحيحة عن