بل لقوله: (حلالنا وحرامنا) فإن الحلال والحرام مع كونهما من الله تعالى لا منهم، إنما نسبا إليهم لكونهم مبينين لهما، وأنهم محال أحكام الله، فمعنى النظر في حرامهم وحلالهم، هو النظر في الفتاوى والأخبار الصادرة منهم، فجعل المنصب لمن نظر في الحلال والحرام الصادرين منهم، أي الناظر في أخبارهم وفتاويهم، وهو شأن الفقيه لا العامي، لأنه ناظر في فتوى الفقيه، لا في أخبار الأئمة.
ودعوى إلغاء الخصوصية عرفا، مجازفة محضة، لقوة احتمال أن يكون للاجتهاد والنظر في أخبارهم مدخلية في ذلك، بل لو ادعى أحد القطع بأن منصب الحكومة والقضاء - بما لهما من الأهمية، وبمناسبة الحكم والموضوع - إنما جعل للفقيه لا العامي، فليس بمجازف.
ويمكن الاستدلال بقوله: (عرف أحكامنا) من إضافة الأحكام إليهم كما مر بيانه، ومن مفهوم (عرف) فإن عرفان الشئ لغة (1) وعرفا ليس مطلق العلم به، بل متضمن لتشخيص خصوصيات الشئ وتمييزه من بين مشتركاته، فكأنه قال:
إنما جعل المنصب لمن كان مشخصا لأحكامنا، ومميزا فتاوينا الصادرة لأجل بيان الحكم الواقعي وغيرها - مما هي معللة ولو بمؤونة التشخيصات والمميزات الواردة من الأئمة (عليهم السلام) - لكونها مخالفة للعامة، أو موافقة للكتاب (2) ومعلوم أن هذه الصفة من مختصات الفقيه، وغيره محروم منها.
وبالجملة: يستفاد من الفقرات الثلاث التي جعلت معرفة للحاكم