ثم انه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسين فصلى بالقوم ثم سلم، وانصرف إلى القوم بوجهه فحمد اللَّه واثنى عليه، ثم قال: أما بعد، أيها الناس، فانكم ان تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى للَّه، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وان انتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به على رسلكم، انصرفت عنكم.
فقال له الحر بن يزيد: انّا واللَّه ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر.
فقال الحسين: يا عقبة بن سمعان، أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي، فأخرج خرجين مملوءين صُحُفاً فنشرها بين ايديهم.
فقال الحرُّ: فانا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك، وقد امرنا إذا نحن لقيناك الّا نفارقك حتى نقدمك على عبيد اللَّه بن زياد، فقال له الحسين: الموت أدنى اليك من ذلك، ثم قال لأصحابه: قوموا فاركبوا، فركبوا وانتظروا حتى ركبت نساؤهم، فقال لأصحابه: انصرفوا بنا، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف.
فقال الحسين للحر: ثكلتك أمك! ما تريد؟ قال: أما واللَّه لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله كائناً من كان، ولكن واللَّه مالي إلى ذكر أمك من سبيل الّا بأحسن ما يقدر عليه. فقال له الحسين: فما تريد؟ قال الحر: أريد واللَّه أن انطلق بك إلى عبيد اللَّه بن زياد قال له الحسين: اذن واللَّه لا أتبّعك، فقال له الحر: اذن واللَّه لا أدعك، فترادا القول ثلاث مرات.
ولما كثر الكلام بينهما قال له الحر: اني لم أؤمر بقتالك، وانما امرت ألا افارقك