أم الخير «1»:
كتب معاوية إلى واليه بالكوفة أن أوفد عليّ أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقية رحلة محمودة الصحبة غير مذمومة العاقبة، واعلم أني مجازيك بقولها فيك، بالخير خيراً وبالشر شراً. فلما ورد عليه الكتاب ركب اليها فأقرأها إياه فقالت أم الخير: أما أنا فغير زائغة عن طاعة ولا معتلة بكذب، ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري تجري مجرى النفس يغلي بها غلي المرجل بحب البلسن يوقد بجزل السمر، فلما حملها وأراد مفارقتها قال: يا أم الخير ان معاوية قد ضمن لي عليه أن يقبل بقولك فيّ بالخير خيراً والبشر شراً فانظري كيف تكونين، قالت: يا هذا لا يطمعك واللَّه برك بي في تزويقي الباطل ولا يؤنسك معرفتك إياي أن أقول فيك غير الحق، فسارت خير مسير فلما قدمت على معاوية أنزلها مع الحرم ثلاثاً، ثم أذن لها في اليوم الرابع، وجمع لها الناس فدخلت عليه فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال: وعليك السلام وبالرغم واللَّه منك دعوتني بهذا الأسم، فقالت: مه يا هذا، فان بديهة السلطان مدحضة لما يحب علمه قال: صدقت يا خالة، وكيف رأيت مسيرك؟ قالت: لم أزل في عافية وسلامة حتى أوفدت إلى ملك جزل وعطاء بذل فأنا في عيش أنيق عند ملك رفيق، فقال معاوية: بحسن نيتي ظفرت بكم وأعنت عليكم قالت: مه يا هذا، لك واللَّه من دحض المقال ما تردى عاقبته قال: ليس لهذا أردناك قالت: إنما اجري في ميدانك إذا اجريت شيئاً أجريته فاسأل عما بدا لك، قال: كيف كان كلامك يوم قتل عمّار بن ياسر؟ قالت: لم أكن واللَّه روّيته قبل ولا زورته بعد وإنما كانت كلمات نفثهن