وباعوا البصيرة بالعمى، عما قليل ليصبحنَّ نادمين حتى تحل بهم الندامة فيطلبون الأقالة، إنه واللَّه من ضل عن الحق وقع في الباطل ومن لم يسكن الجنة نزل النار.
أيها الناس ان الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها واستبطأوا مدة الآخرة فسعوا لها، واللَّه أيها الناس لو لا أن تبطل الحقوق وتعطل الحدود ويظهر الظالمون وتقوى كلمة الشيطان لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه، فإلى أين تريدون رحمكم اللَّه عن ابن عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وزوج ابنته وأبي ابنيه، خلق من طينته وتفرع من نبعته وخصه بسرّه وجعله باب مدينته وعلم المسلمين وأبان ببغضه المنافقين، فلم يزل كذلك يؤيده اللَّه عزّوجل بمعونته، ويمضي على سنن استقامته، لا يعرج لراحة الدأب، ها هو مفلّق الهام ومكسر الأصنام إذ صلى والناس مشركون وأطاع والناس مرتابون، فلم يزل كذلك حتى قتل مبارزي بدر وأفنى أهل أحد وفرق جمع هوازن، فيا لها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقاً وردة وشقاقاً. قد اجتهدت في القول وبالغت في النصيحة وباللَّه التوفيق.
وعليكم السلام ورحمة اللَّه وبركاته.
فقال معاوية: واللَّه يا أم الخير، ما أردت بهذا الكلام إلّاقتلي، واللَّه لو قتلتك ما حرجت في ذلك، قالت: واللَّه ما يسؤني يا ابن هند أن يجري اللَّه ذلك على يدي من يسعدني اللَّه بشقائه. قال: هيهات يا كثيرة الفضول ما تقولين في عثمان بن عفان؟ قالت: وما عسيت أن أقول فيه، استخلفه الناس وهم له كارهون وقتلوه وهم راضون، فقال معاوية: إيها يا أم الخير هذا واللَّه أصلك الذي تبنين عليه.
قالت:«لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً» «1» ما أردت لعثمان نقصاً ولكن كان سباقاً إلى الخيرات وإنه لرفيع الدرجة،