ثم جلست فقال لها معاوية: الآن صرت عندك أمير المؤمنين؟ قالت: نعم إذ لا علي حي قال: ألست المتقلدة حمائل السيف بصفين وأنت واقفة بين الصفين تقولين: ايها الناس:«عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» إن الجنة لا يحزن من قطنها، ولا يهرم من سكنها، ولا يموت من دخلها، فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها، ولا تنصرم همومها، وكونوا قوماً مستبصرين في دينهم مستظهرين على حقهم. ان معاوية دلف اليكم بعجم العرب لا يفقهون الإيمان، ولا يدرون ما الحكمة، دعاهم إلى الباطل فأجابوه، واستدعاهم إلى الدنيا فلبوه، فاللَّه اللَّه عباد اللَّه في دين اللَّه، وإياكم والتواكل فان ذلك ينقض عُرى الإسلام ويطفى ء نور الحق، هذه بدر الصغرى والعقبة الأخرى، يا معشر المهاجرين والأنصار امضوا على بصيرتكم، واصبروا على عزيمتكم، فكأني بكم غداً وقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة تقصع قصع البعير، ثم قال: فكأني أراك على عصاك هذه قد انكفأ عليك العسكران يقولون هذه عكرشة بنت الأطرش فان كدت لتفلّين أهل الشام لو لا قدرُ اللَّه «وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً» «١» فما حملك على ذلك؟ قالت: يا أمير المؤمنين يقول اللَّه جل ذكره: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» «2» الآية، وان اللبيب إذا كره أمراً لا يحب اعادته، قال: صدقت فاذكري حاجتك، قالت:
كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فتُرد على فقرائنا وقد فقدنا ذلك، فما يجبر لنا كسير، ولا ينعش لنا فقير، فإن كان عن رأيك فمثلك من انتبه من الغفلة وراجع التوبة، وإن كان عن غير رأيك فما مثلك من استعان بالخونة ولا استعمل الظلمة، قال معاوية: يا هذه انّه ينوبنا من أمور رعيتنا ثغور تتفق، وبحور تتدفق، قالت: