الإباحة، فإنها كافية فيه، فنفى توهم التحريم بحمل الحديث على نفي الفضيلة، أي لا يستحب شد الرحال إلى مكان إلا إلى الثلاثة.
ومع هذا لا بد فيه من تأويل، لأن السفر مستحب لطلب العلم وغيره إلى غيرها.
فالمقصود لا يستحب إليها من حيث هي، وقد يكون هناك أمر آخر يقتضي الاستحباب أو الوجوب، ولا مانع بكون قصد زيارة شخص مخصوص أو أشخاص، مما يقتضي الاستحباب، ولم يتعرض أبو محمد لذلك، لأنه لم يتكلم فيه، وإنما تكلم في جواز القصر، فاقتصر على ما يكفي فيه، وهو إثبات الإباحة.
وقوله: (وإذا سافر لاعتقاده أنها طاعة، كان ذلك محرما بإجماع المسلمين، فصار التحريم من الأمر المقطوع به).
هذا أيضا موهم وفاسد:
أما إيهامه، فلأن كثيرا ممن يسمعه يظن أن هذا كلام مبتدأ، ادعي فيه انعقاد الاجماع على التحريم، وأن ذلك مقطوع به، وكأن ابن تيمية أراد ذلك، وجعله معطوفا على إلزام الشيخ أبي محمد، حتى إذا حوقق فيه يتخلص من دركه بجعله معطوفا.
وليس هذا دأب من يبغي الإرشاد، بل من يبغي الفساد.
وأما فساده، فلأنا لو سلمنا أن السفر ليس بطاعة بالإجماع، فسافر شخص معتقدا أنه طاعة، كيف يكون سفره محرما بإجماع المسلمين، أو على قول عالم من علماء المسلمين؟!
فإن من فعل مباحا معتقدا أنه قربة لا يأثم، ولا يوصف ذلك بكونه محرما، بل إن كان اعتقاده ذلك لما ظنه دليلا، وليس بدليل، وقد بذل وسعه في ذلك، كان مثابا عليه بمقتضى ظنه، وإلا كان جهلا، ولا إثم عليه فيه، ولا أجر، وفعله