عائشة رضي الله عنها، فقالت: فانظروا قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاجعلوا منه كوى إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف.
ففعلوا فمطروا، حتى نبت العشب، وسمن الإبل، حتى تفتقت من الشحم، فسمي (عام الفتق).
ولعل توسل عمر بالعباس لأمرين:
أحدهما: ليدعو كما حكينا من دعائه.
والثاني: أنه من جملة من يستسقي وينتفع بالسقاء، وهو محتاج إليها، بخلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الحالة، فإنه مستغن عنها، فاجتمع في العباس الحاجة وقربه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشيبته، والله تعالى يستحي من ذي الشيبة المسلم، فكيف من عم نبيه صلى الله عليه وآله وسلم!! ويجيب دعاء المضطر، فلذلك استسقى عمر بشيبته.
[التفرقة بين الألفاظ!] فإن قال المخالف: أنا لا أمنع التوسل والتشفع، لما قدمتم من الآثار والأدلة، وإنما أمنع إطلاق (التجوه) و (الاستغاثة) لأن فيهما إيهام أن المتجوه به والمستغاث به، أعلى من المتجوه عليه والمستغاث عليه.
قلنا: هذا لا يعتقده مسلم، ولا يدل لفظ (التجوه) و (الاستغاثة) عليه.
فإن (التجوه) من الجاه والوجاهة، ومعناه علو القدر والمنزلة، وقد يتوسل بذي الجاه إلى من هو أعلى جاها منه.
و (الاستغاثة) طلب الغوث، فالمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره، وإن كان أعلى منه.
فالتوسل والتشفع والتجوه والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأنبياء والصالحين، ليس لها معنى في قلوب المسلمين غير ذلك، ولا يقصد بها أحد منهم