موصوف بالإباحة على حاله.
فمن أين يأتي وصفه بالتحريم؟!
وإنما يأتي هذا الكلام في المباح إذا فعله على وجه العبادة، مع اعتقاده أنه ليس بعبادة، فهذا يأثم به، ويكون حراما، لأنه تقرب إلى الله تعالى بما ليس بقربة عند الله تعالى، ولا في ظنه.
ومن هنا نشأ الغلط في هذه المسألة وهكذا سائر البدع.
ومن ابتدع عبادة فعليه إثم ابتداعه، لأنه أدخل في الدين ما ليس منه، وإثم فعله، لأنه تقرب بما يعتقد أنه ليس من الدين.
وأما من قلده من العوام:
فإن كان ذلك مما يسوغ فيه التقليد كالفروع، وفعله معتقدا بأنه عبادة شرعية، فلا إثم عليه.
وإن كان مما لا يسوغ فيه التقليد، كأصول الدين، فعليه الإثم.
ومسألتنا هذه من الفروع، فلو فرضنا أنه لم يقل أحد باستحباب السفر، وفعله شخص على جهة الاستحباب، معتقدا ذلك لشبهة عرضت له، لم يحرم، ولم يأثم.
فكيف، وكل الناس قائلون باستحبابه؟!
وقوله: (ومعلوم أن أحدا لا يسافر إليها إلا لذلك).
هذا يقتضي أن كلامه ليس في أمر مفروض، بل في الواقع الذي عليه الناس، وأن الناس كلهم إنما يسافرون لاعتقادهم أنها طاعة، والأمر كذلك.
ويقتضي على زعمه أن سفر جميعهم محرم بإجماع المسلمين!
فإنا لله، وإنا إليه راجعون، أيكون جميع المسلمين في سائر الأعصار، من سائر أقطار الأرض، مرتكبين لأمر محرم، مجمعين عليه؟!