فأنفسنا وقوانا وأعمالنا المتعلقة بها، هي أول ما يدق باب إداركنا لكنا لا نرى أنفسنا إلا مرتبطة بغيرها ولا قوانا ولا أفعالنا إلا كذلك، فالحاجة من أقدم ما يشاهده الإنسان، يشاهدها من نفسه ومن كل ما يرتبط به من قواه وأعماله والدنيا الخارجة، وعند ذلك يقضي بذات ما يقوم بحاجته ويسد خلته وإليه ينتهي كل شيء، وهو الله سبحانه، ويصدقنا في هذا النظر والقضاء قوله تعالى: (يأيها الناس أنتم الفقرآء إلى الله والله هو الغنى). (1) وقد عجز التاريخ عن العثور على بدء ظهور القول بالربوبية بين الأفراد البشرية، بل وجده وهو يصاحب الإنسانية إلى أقدم العهود التي مرت على هذا النوع حتى أن الأقوام الوحشية التي تحاكي الإنسان الأولي في البساطة لما اكتشفوهم في أطراف المعمورة كقطان أميركا وأستراليا وجدوا عندهم القول بقوى عالية هي وراء مستوى الطبيعة ينتحلون بها، وهو قول بالربوبية وإن اشتبه عليهم المصداق فالإذعان بذات ينتهي إليها أمر كل شيء من لوازم الفطرة الإنسانية لا يحيد عنه إلا من انحرف عن إلهام فطرته لشبهة عرضت له كمن يضطر نفسه على الاعتياد بالسم وطبيعته تحذره بإلهامها، وهو يستحسن ما ابتلي به.
ثم إن أقدم ما نواجهه في البحث عن المعارف الإلهية أنا نذعن بانتهاء كل شيء إليه، وكينونته ووجوده منه فهو يملك كل شيء لعلمنا أنه لو لم يملكها لم يمكن أن يفيضها ويفيدها لغيره على أن بعض هذه الأشياء مما ليست حقيقته إلا مبنية على الحاجة منبئة عن النقيصة، وهو تعالى منزه عن كل حاجة ونقيصة؛ لأنه الذي إليه يرجع كل شيء في رفع حاجته ونقيصته.
فله الملك - بكسر الميم وضمها - على الإطلاق، فهو سبحانه يملك ما وجدناه