مشكور... وإذا جهد " المطوف " - بأي مقياس قاسه الفهم - محمود مشكور.
اشتهاء ورجاء!..
نعم!...
ولكنه الاشتهاء الذي لا يغوص بالأمنية في أغوال المحال، والرجاء الذي لا يسدر براجيه في غلواء الخيال.. ولست أعني بما أسلفت إشادة بالكتاب، ولا إعلاء بشأن واضعه، إذ الإشادة صدى لتقدير القارئ وحده وإنه لتقدير - في اعتقادي - وارد لا خلاف فيه. والإعلاء تكريم للمؤلف يغنيه عنه جزاء ما عرف من حسن بلائه فيما نشر له من قبل، وما قد أخذ نفسه بنشره على أبناء العربية من ذخائر فكرية بعضها بقلمه وبعضها بأقلام سواه من المؤلفين بلسانها المبين.. إنما أحببت، في حقيقة الأمر، أن أشير بحركة مومئة، إلى أن الكتاب المعروض الآن على القراء قد جاءنا بنحو فريد المثال من كتب السير والتراجم لم يتكلف فيه صاحبنا " المرتضى " تقديم عرض فني كامل لحياة بعض " رجال الفكر في القاهرة " يتناول مراحلهم العمرية بالتقصي والتفصيل أو يحاول التصدي لأعمالهم الفكرية بالدراسة والتحليل... بل هو أقرب إلى أن يكون مجموعة من خطوط نقاط قلمية خفيفة: لينة كبسمة حانية، رقيقة كنسمة وانية.. لكأن أولاها أسلاك صلب مغزول تمتد وحداته وتنتشر، ثم تستقيم، ثم تلتحم في هيئة قوائم ودعائم رأسية وأفقية فتكون ما يشبه الأطر. وكأن ثانيتها نثار تبر مبدور تتدانى ذراته وتقترب، ثم تلتئم، ثم تنتظم في هيئة فرائد فقلائد، مكونة أجساما شتى لونية أشبه بصور!..
على السجية الطليقة الرخية يمشي بنا واضع كتابنا هذا فوق الصفحات، فإذا هو، في سهولة ويسر، ينقل لنا - كما أسلفت القول - صورا في أطر... الأطر: حياة أرباب الفكر، والصور كنه الأفكار.. فما أن تلتقى بما يقدم حتى ترى في كل منها