وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه، ولم يلصق بأشكاله، ولم يرفع الصبيان في ملاعبهم بعد إسلامه، وهو كأحدهم في طبقته، كبعضهم في معرفته.
وكيف لم ينزع إليهم في ساعة من ساعاته فيقال:
دعاه نقص الصبا، وخاطر من خواطر الدنيا، وحملته الغرة والحداثة على حضور لهوهم، والدخول في حالهم، بل ما رأيناه إلا ماضيا على إسلامه، مصمما في أمره، محققا لقوله بفعله، وقد صدق إسلامه بعفافه، وزهده، ولصق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بين جميع من بحضرته، فهو أمينه، وأليفه في دنياه وآخرته. وقد قهر شهوته، وجاذب خواطره، صابرا على ذلك نفسه، لما يرجوه من فوز العاقبة، وثواب الآخرة.
وقد ذكر هو (عليه السلام) في كلامه وخطبه بدء حاله، وافتتاح أمره حيث أسلم لما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الشجرة فأقبلت تخد الأرض، فقالت قريش:
ساحر خفيف السحر!
فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله، أنا أول من يؤمن بك، آمنت بالله ورسوله، وصدقتك فيما جئت به، وأنا أشهد أن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تصديقا لنبوتك، وبرهانا على صحة دعوتك.
فهل يكون إيمان قط أصح من هذا الإيمان، وأوثق عقدة، وأحكم مرة؟!
ولكن حنق العثمانية وغيظهم، وعصبية الجاحظ وانحرافه، مما لا حيلة فيه (1).
وأخرج علي بن أبي بكر الهيثمي عن سلمان قال:
قلت يا رسول الله إن لكل نبي وصيا فمن وصيك؟ فسكت عني فلما كان بعد رآني.