وتبيانا لرواته وطرق روايته على مر العصور، وإثباتا لما يستفاد منه من معنى الولاية للإمام " علي " لكان بذلك كافيا.
ولكن العلامة الأستاذ " عبد الحسين أحمد " أراد أن يجعل من " الغدير " بحرا متلاطم الأمواج، جياش العباب... وشاء أن يجعل منه موسوعة كبيرة تدور حول الكلمات الطاهرة التي نطق بها الرسول (صلى الله عليه وسلم) للإمام علي كرم الله وجه، فأثبت الشعراء الذين ذكروا الغدير في قصيدهم، وعطروا بذكره أنفاس أشعارهم، وصاحبهم المؤلف الدؤوب في موكب رائع الجلال من عهد النبي صلوات الله عليه إلى القرون الإسلامية قرنا فقرنا، فهو يذكر في كل قرن شعراء الغدير فيه ويذكر غديرياتهم، ولا يكتفي بذلك كله، بل يترجم لهؤلاء الشعراء تراجم لا يستغني عنها مؤرخ أو باحث أو أديب: ثم لا يكتفي بذلك، بل يذكر المصادر الكثيرة الموزعة لهؤلاء الشعراء، فيقع القارئ من هذه المصادر على ذخيرة من المعرفة بالكتب قل أن تتاح لباحث من باحثي زماننا هذا.
ولست هنا مبالغا في تقدير هذه التراجم، فترجمة الشاعر " الكميت ".
مثلا من شعراء الغدير في القرن الثاني قد بلغت ثلاثين صفحة من الجزء الثاني، حتى كادت تصلح أن تكون في ذاتها كتابا قائما بدراسة " الكميت " وترجمة " السيد الحميري " الشاعر وتضعه في الإطار الذي يخصه بين شعراء عصره.
وترجمة " ابن الرومي " في الجزء الثالث من " الغدير " تبلغ 26 صفحة. وقس على هذا بقية مواكب الشعراء.
وليست العبرة في طوال التراجم واتساع صفحاتها.. ولكن العبرة في هذا الصبر العجيب الذي تابع به المؤلف حياة الشعراء الذي يترجم لهم، فقد رجع علامتنا الجليل حين كتب عن " ابن الرومي " إلى عشرات من الكتب في القديم والحديث وجمع أخباره ونوادره من مصادر لم يطلع عليها الأكثرون ولم يكد يفوته